إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: فهل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب

          7437- 7438- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ) الأويسيُّ قال: (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ) بسكون العين، ابنِ إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوفٍ (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) محمَّد بن مسلمٍ الزُّهريِّ (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ) بالمثلَّثة، ثمَّ الجندعِيِّ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ (أَنَّ النَّاسَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا) ╡ (يَوْمَ القِيَامَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : هَلْ تُضَارُّونَ فِي القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ؟) بضمِّ حرف المضارعة وتشديد الرَّاء، أصله: تُضاررون(1) بالبناء للمفعول، فسكنتِ الرَّاء الأولى، وأُدغمت في الثانية، وفي نسخة بتخفيف الرَّاء، فالمشدَّدة بمعنى لا تتخالفون ولا تتجادلون في صِحَّة النظر إليه لوضوحه وظهوره، والمخفَّف من الضّير، ومعناه كالأوَّل: (قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ)‼ يحجُبُها؟ (قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ) ╡ إذا تجلَّى لكم (كَذَلِكَ) أي: واضحًا جليًّا بلا شكٍّ ولا مشقَّةٍ ولا اختلاف (يَجْمَعُ اللهُ) ╡ (النَّاسَ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتْـَّبَـِعْهُ) بسكون الفوقيَّة وفتح الموحَّدة / أو بتشديد الفوقيَّة وكسر الموحَّدة، وكذا قوله: (فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ القَمَرَ القَمَرَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ الطَّوَاغِيتَ) بالمثنَّاة الفوقيَّة فيهما، جمع طاغوت، فَعلُوت، مِن طغى، أصله طغيوت ثم طيغوت ثم طاغوت: الشّياطين والأصنام، وفي «الصِّـَحا♣ح»: هو(2) الكاهن وكلُّ رأس في الضّلال (وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا شَافِعُوهَا) بالشّين المعجمة والعين المهملة أصله: شافعون، فسقطت النّون للإضافة، أي: شافعو الأُمَّة (أَوْ) قال: (مُنَافِقُوهَا، شَكَّ إِبْرَاهِيمُ) بن سعدٍ الرَّاوي، قال الحافظ ابن حَجَرٍ: والأوّل هو(3) المعتمد (فَيَأْتِيهِمُ اللهُ) ╡ إتيانًا لا يكيَّف، عاريًا عن الحركة والانتقال، أو هو محمولٌ على الإتيان المعروف عندنا، لكن على معنى: أنَّ الله تعالى يخلُقهُ لمَلَكٍ مِنْ ملائكته، فأضافه إلى نفسه على جهة الإسناد المجازي مثل: قطع الأمير اللصَّ، وزاد في «الرِّقاق» [خ¦6573] «في غير الصورة التي يعرفونها» (فَيَقُولُ) لهم: (أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: هَذَا مَكَانُنَا) وزاد فيه أيضًا: «فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا» (حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا فَإِذَا جَاءَنَا) ولغير المُستملي: ”جاء“ (رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ، فَيَأْتِيهِمُ اللهُ) فيتجلَّى لهم بعد تمييز المنافقين (فِي صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ) أي: التي هو عليها من التّعالي عن صفات الحدوث بعد أن عرَّفَهم بنفسه المقدَّسة، ورفعَ عن أبصارهم الموانعَ، وقال في «المصابيح»: «في صورته التي يعرفون» أي: في علامةٍ(4) جعلها الله دليلًا على معرفته والتّفرِقة بينه وبين مخلوقاته، فسمَّى الدَّليل والعلامة صورةً مجازًا، كما تقول العرب: صورةُ أمرك كذا، وصورة حديثك كذا، والأمر والحديث لا صورةَ لهما، وإنَّما يريدون: حقيقة أمرك وحديثك، وكثيرًا ما يجري على ألسنة الفقهاء: صورة هذه المسألة كذا (فَيَقُولُ) لهم: (أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، فَيَتْـَّبَـِعُونَهُ) بالتّخفيف والتّشديد، أي: فيتبعون أمره إيَّاهم بذهابهم إلى الجنَّة، أو ملائكته التي تذهب بهم إليها (وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ) بضمِّ حرف المضارعة وفتح ثالثه و«الصّراط» الجسر (بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ) على وسطها (فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُهَا) أي: يجوز بأُمَّتِه على الصّراط ويقطعه، ولأبي ذرٍّ عن الأَصيليِّ وابن عساكر: ”من يجيء“ (وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ) في حال الإجازة (إِلَّا الرُّسُلُ) لشِدَّة الأهوال (وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ) مرَّتين (وَفِي جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ) بغير صرف، معلَّقةٌ مأمورةٌ بأخذ مَنْ أُمرتْ به‼ (مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ) بفتح السّين والدّال بينهما عين مهملات، نباتٌ ذو شوكٍ (هَلْ رَأَيْتُمُ السَّعْدَانَ؟) استفهام تقريرٍ لاستحضار الصّورة المذكورة (قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: َفإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ قَدْرَُ عِظَمِهَا) أي: الشوكة، وللكُشميهنيِّ: ”ما قَدْرُ عِظَمِها“ (إِلَّا اللهُ) تعالى، قال القرطبيُّ: قيَّدنا «قدرُ» عن بعض مشايخنا بضمِّ الرَّاء على أن «ما» استفهاميَّة(5) و«قَدْرُ» مبتدأ، وبنصبِها على أنَّ «ما» زائدة و«قدرَ» مفعول «يَعْلَمُ» (تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ) بسبب أعمالهم القبيحة (فَمِنْهُمُ المُوبَقُ) بفتح الموحَّدة؛ الهالك (بِعَمَلِهِ) وهو الكافرُ، وللأَصيليِّ وأبي ذرٍّ عن المُستملي: ”المؤمن“ بالميم والنّون ”بَقِيَ بعمله“ بالموحَّدة والقاف المكسورة، من البقاء ”أو الموبَقُ بعمله“ بالشَّكِّ، وللحَمُّويي والكُشْمِيهَنيِّ: ”فمنهم الموبَق“ بالموحَّدة المفتوحة ”بقِي“ بالموحَّدة وكسر القاف، ولأبي ذرٍّ عن المُستملي: ”يَقِي“ بالتحتيَّة مِنَ الوقاية، أي: «يسترُه عمله» وللمستملي: ”أو الموثق“ بالمثلثة المفتوحة من الوثاق ”بعمله“ والفاء في قوله: «فمنهم» تفصيل للنّاس الذين تخطَفُهُمُ الكلاليب بحسب أعمالهم (وَمِنْهُمُ المُخَرْدَلُ(6)) بالخاء المعجمة والدّال المهملة، المنقطع الذي تقطعه كلاليبُ الصّراط حتَّى يهوي في النَّار، وقيل: المخردل المصروع، قال السّفاقسيُّ: وهو أنسب بسياق الخبر / (أَوِ المُجَازَى) بضمِّ الميم وفتح الجيم المخفَّفة والزّاي بينهما ألف مِنَ الجزاء (أَوْ نَحْوُهُ) شكٌّ من الراوي، ولمسلمٍ: «المجازى» بغير شكٍّ (ثُمَّ يَتَجَلَّى) بتحتيَّةٍ ففوقيَّةٍ فجيمٍ فلامٍ مشدَّدةٍ مفتوحاتٍ كذا في الفرع كأصله مصحَّحًا عليه، أي: يتبيَّن، قال في «الفتح»: ويَحتملُ أن يكون بالخاء المعجمة، أي: يُخلَّى عنه، فيرجع إلى معنى ينجو، وفي حديث أبي سعيدٍ [خ¦7439] «فناج مَسَلَّم، ومخدوشٌ ومكدوسٌ في جهنم» (حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللهُ) ╡ (مِنَ القَضَاءِ بَيْنَ العِبَادِ): أتمَّ، وقال ابن المُنيِّر: الفراغ إذا أضيف إلى الله معناه القضاء، وحلوله بالمقضي عليه، والمراد إخراج الموحِّدين وإدخالهم الجنَّة، واستقرار أهل النّار في النّار، وحاصله أنَّ معنى «يفرغ الله» أي: من القضاء بعذاب مَن يفرغ عذابه ومن لا يفرغ، فيكون إطلاق الفراغ بطريق المقابلة وإن لم يُذكَر لفظُها (وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ) بضمِّ أوّله وكسر ثالثه (بِرَحْمَتِهِ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَمَرَ) تعالى (المَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ) ╡ (شَيْئًا مِمَّنْ أَرَادَ اللهُ) ╡ (أَنْ يَرْحَمَهُ مِمَّنْ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَيَعْرِفُونَهُمْ فِي النَّارِ بِأَثَرِ السُّجُودِ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ: ”بآثار السجود“ (تَأْكُلُ النَّارُ ابْنَ آدَمَ إِلَّا أَثَرَ السُّجُودِ حَرَّمَ اللهُ) ╡ (عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ) وهو موضعُه مِنَ الجبهة، أو مواضع السّجود السّبعة، ورجَّحه النَّوويُّ، لكن في «مسلمٍ»: «إلَّا دارات الوجوه» وهو كما قال القاضي(7) عياض يدُلُّ على أنَّ المراد بـ «أثر السّجود»: الوجه خاصَّةً‼ ويؤيِّده أنَّ في بقيَّة الحديث أنَّ منهم مَن غاب في النّار إلى نصف ساقيه، وفي «مسلمٍ» من حديث سَمُرة: «وإلى ركبتيه» وفي رواية هشام بن سعد في حديث أبي سعيد: «وإلى حقويه» لكن حمله النوويُّ على قومٍ مخصوصينَ، ونقل بعضُهم: أنَّ علامتَهم(8) الغرَّة، ويضاف إليها التحجيل وهو في اليدين والقدمين ممَّا يصل إليه الوضوء، فيكون أشمل ممَّن قال: أعضاء السّجود؛ لدخول جميع اليدين والرجلين لا تخصيص الكفَّين والقدمين، ولكن ينقص(9) منه الركبتان، وما استُدل به من بقية الحديث لا يمنع سلامةَ هذه الأعضاء مع الانغمار؛ لأنَّ تلك الأحوال الأُخرويَّة خارجةٌ عن قياس أحوال أهل الدنيا، ودلَّ التَّنصيص على «دارات الوجوه» أنَّ الوجه كلَّه لا تؤثِّرُ فيه النَّار إكرامًا لمحلِّ السجود، ويَحتملُ أنَّ(10) الاقتصار عليها على التنويه بها لشرفها (فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ) حالَ كونِهِم (قَدِ امْتُحِشُوا) بضمِّ الفوقيَّة والمعجمة بينهما حاء مهملة مكسورة، أو بفتح الفوقيَّة: احترق جلدهم وظهر عظمُهم (فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ) بضمِّ التحتيَّة وفتح الصّاد (مَاءُ الحَيَاةِ) ضدُّ الموت (فَيَنْبُتُونَ تَحْتَهُ كَمَا تَنْبُتُ الحِبَّةُ) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحَّدة، من بزور الصّحراء (فِي حَمِيلِ السَّيْلِ) بفتح الحاء المهملة، ما يحملُه مِن طينٍ ونحوه، وفي رواية يحيى بن عمارة: «إلى جانب السّيل» والمراد: أنَّ الغثاء الذي يجيءُ به السّيل يكون(11) فيه الحِبَّة، فتقع في جانب الوادي، فتصبح مِن يومها نابتة، فالتّشبيه في سرعة النّبات وطراوته وحُسنه (ثُمَّ يَفْرُغُ اللهُ مِنَ القَضَاءِ بَيْنَ العِبَادِ، وَيَبْقَى رَجُلٌ) زاد أبو ذرٍّ: ”منهم“ (مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ، هُوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولًا الجَنَّةَ) وفي حديث حذيفة في «أخبار بني إسرائيل»: أنَّه كان نباشًا [خ¦3452] وعند الدَّارقطنيِّ في «غرائب مالكٍ»: أنَّه رجلٌ من جُهَينة، وعند السُّهيليِّ اسمه هناد (فَيَقُولُ: أَيْ) بسكون الياء (رَبِّ، اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ فَإِنَّهُ قَدْ قَشَبَنِي) بالقاف والمعجمة والموحَّدة مفتوحات: آذاني (رِيحُهَا، وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا) بفتح الذّال وبعد الكاف همزة، ولأبي ذرٍّ: ”ذكاها“ بغير همزِ: شِدَّةُ حرِّها والتهابها (فَيَدْعُو اللهَ) ╡ (بِمَا شَاءَ أَنْ يَدْعُوَهُ، ثُمَّ يَقُولُ اللهُ) ╡ له: (هَلْ عَسَـِيْتَ) بفتح السّين وكسرها (إِنْ أُعْطِيتَ ذَلِكَ) بضمِّ الهمزة، ولأبي ذرٍّ: ”إن أعطيتك“ بفتحها وبالكاف / (أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ؟ فَيَقُولُ: لَا وَعِزَّتِكَ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، وَيُعْطِي رَبَّهُ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيّ: ”ويعطي الله“ (مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ مَا شَاءَ، فَيَصْرِفُ اللهُ) ╡ (وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، فَإِذَا أَقْبَلَ عَلَى الجَنَّةِ وَرَآهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللهُ) ╡ (أَنْ يَسْكُتَ) حياءً (ثُمَّ يَقُولُ: أَيْ رَبِّ، قَدِّمْنِي) بسكون الميم بعد كسر الدّال المشدَّدة (إِلَى بَابِ الجَنَّةِ، فَيَقُولُ اللهُ) ╡ (لَهُ: أَلَسْتَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَ الَّذِي أُعْطِيتَ أَبَدًا؟) أي: غير صَرْفِ‼ وجهِكَ عن النَّار (وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ) فعلُ تعجُّبٍ مِنَ الغدر ونقض العهد وترك الوفاء (فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، وَيَدْعُو اللهَ) ╡ (حَتَّى يَقُولَ) ╡ له: (هَلْ عَسَـِيْتَ إِنْ أُعْطِيتَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَ(12) غَيْرَهُ؟ فَيَقُولُ: لَا وَعِزَّتِكَ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، وَيُعْطِي) الله (مَا شَاءَ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ، فَيُقَدِّمُهُ إِلَى بَابِ الجَنَّةِ، فَإِذَا قَامَ إِلَى بَابِ الجَنَّةِ انْفَهَقَتْ) بنونٍ ساكنةٍ ففاءٍ فهاءٍ فقافٍ مفتوحات ففوقيَّة: انفتحتْ واتَّسَعَتْ (لَهُ الجَنَّةُ، فَرَأَى مَا فِيهَا مِنَ الحَبْرَةِ) بفتح الحاء المهملة وسكون الموحَّدة: من النِّعمة وسَعَةِ العيش (وَالسُّرُورِ، فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللهُ) ╡ (أَنْ يَسْكُتَ ثُمَّ يَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْخِلْنِي الجَنَّةَ، فَيَقُولُ اللهُ) ╡: (أَلَسْتَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ أَنْ لَا تَسْأَلَ غَيْرَ مَا أُعْطِيتَ؟ فَيَقُولُ) وفي الفرع كأصله ضُبِّب على ”فيقول“ هذه: (وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، لَا أَكُونَنَّ) بنون التّوكيد الثّقيلة، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والكُشْمِيهَنيِّ: ”لا أكون“ بإسقاطها (أَشْقَى خَلْقِكَ) قال في «الكواكب»: فإن قلت: هذا ليس بأشقى؛ لأنَّه خلص مِنَ العذاب، وزُحزِحَ عن النّار وإنْ لم يدخل الجنَّة، قلت: يعني أشقى أهل التّوحيد الذي هم أبناء جنسه فيه، وقال الطِّيبيُّ: فإن قلت: كيف طابق(13) هذا الجواب قوله: أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك(14)؟ قلت: كأنَّه قال: يا رب بلى أعطيت العهود والمواثيق، ولكن تأمَّلت كرمَك وعفوك ورحمتك، وقوله تعالى: {وَلاَ (15) تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}[يوسف:87] فوقفتُ على أنِّي لستُ مِنَ الكفَّار الذين أيسوا من رحمتك وطمعت في كرمك وسَعَة رحمتك، فسألت ذلك، وكأنَّه تعالى رضي بهذا القول فضحك كما قال: (فَلَا يَزَالُ يَدْعُو) الله تعالى (حَتَّى يَضْحَكَ اللهُ) ╡ (مِنْهُ) المراد: لازم الضحك وهو الرِّضا (فَإِذَا ضَحِكَ مِنْهُ قَالَ لَهُ: ادْخُلِ الجَنَّةَ، فَإِذَا دَخَلَهَا قَالَ اللهُ) ╡ (لَهُ: تَمَنَّهْ) بهاءِ السَّكْتِ (فَسَأَلَ(16) رَبَّهُ) ╡ (وَتَمَنَّى، حَتَّى إِنَّ اللهَ لَيُذَكِّرُهُ) أي: ليُذِّكر المتمنِّي (يَقُولُ) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”ويقول له: تمنَّ“ (كَذَا وَكَذَا) يسمِّي له أجناسَ ما يتمنَّى فضلًا منه ورحمةً (حَتَّى انْقَطَعَتْ بِهِ الأَمَانِيُّ) جمع أمنيَّة (قَالَ اللهُ) ╡: (ذَلِكَ) الذي سألت (لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ) قال الدَّمامينيُّ في «مصابيحه»: فإن قلت: قد علم أنَّ الدّار الآخرة ليست دار تكليف، فما الحكمة في تكرير أخذ العهود والمواثيق عليه ألَّا يسأل غير ما أُعطيَه مع أنَّ إخلافه لقوله، وما تقتضيه يمينه لا إثمَ عليه فيه؟ قلت: الحكمة فيه ظاهرةٌ، وهي إظهار التمنُّنِ عليه(17) والإحسان إليه مع تكريره لنقض عهوده ومواثيقه، ولا شكَّ أنَّ للمنَّةِ في نفس العبد(18) مع هذه الحالة التي اتَّصف بها(19) وَقْعًا عظيمًا، وقال الكلاباذيُّ فيما نقله عنه في «الفتح»: سكوت هذا العبد أوَّلًا عن السّؤال؛ يعني: في قوله‼ في الحديث: «فيسكتُ ما شاءَ اللهُ» حياءً من ربِّه، والله يحبُّ أن يسأل؛ لأنَّه يحبُّ صوت عبده المؤمن، فباسَطَهُ أوَّلًا بقوله: لعلَّك إن أُعطيت هذا تسأل غيره، وهذه حالة المقصِّر، فكيف حالة المطيع، وليس نَقْضُ هذا العبد عهده وتَرْكُه ما أقسم عليه جهلًا منه ولا قلَّة مبالاةٍ، بل عِلمًا منه بأنَّ نقض هذا العهد أَولى مِنَ الوفاء به؛ لأنَّ سؤاله ربَّه أولى / من ترك السّؤال، وقد قال صلعم : «من حلف على يمينٍ فرأى غيرَها(20) خيرًا منها فليكفَّر عن يمينه، وليأْتِ الذي هو خير» [خ¦4385] فعمل هذا العبد على وَفق هذا الخبر(21)، والتكفير قد ارتفع عنه في الآخرة.
          (قَالَ عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ) الرَّاوي: (وَأَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ) جالسٌ وهو يحدِّث بهذا الحديث (لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِهِ شَيْئًا) ولا يغيِّره (حَتَّى إِذَا حَدَّثَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: ذَلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ: وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ مَعَهُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا حَفِظْتُ إِلَّا قَوْلَهُ: ذَلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ: أَشْهَدُ أَنِّي(22) حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلعم قَوْلَهُ: ذَلِكَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ) وجُمع(23) بينهما باحتمال أن يكون أبو هريرة سمع أوَّلًا قوله: «ومثله معه» ثمَّ تكرَّم الله فزاد ما في رواية أبي سعيدٍ، ولم يسمعه أبو هريرة (قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ) ☺ : (فَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الجَنَّةِ دُخُولًا الجَنَّةَ(24)).
          والحديث سبق في «الرِّقاق» [خ¦6573].


[1] في (ع): «تضارون».
[2] «هو»: مثبتٌ من(د).
[3] «هو»: مثبتٌ من (د).
[4] في (د): «علامات».
[5] في غير (د): «استفهام».
[6] في (ع): «المخذول».
[7] «القاضي»: مثبتٌ من (د).
[8] في (ع): «علامته».
[9] في (د): «تنقص».
[10] «أن»: ليس في (د).
[11] في (ب) و(س): «تكون».
[12] في (د): «تسألني».
[13] في (ع): «يطابق».
[14] في (د) و(ع): «العهود والمواثيق».
[15] في (د) و(س): «لا»، وكذا هو في شرح المشكاة.
[16] في (ع): «فيسأل».
[17] قوله: «عليه» زيادة من مصابيح الجامع (10/209).
[18] في (د): «في نقض العهد»، ولا يصحُّ.
[19] «بها»: ليس في (ج) و(ل).
[20] «غيرها»: مثبتٌ من (ع).
[21] في (ع): «الخير».
[22] زيد في (د): «قد»، وفي (ع): «بأني قد».
[23] في (د) و(ع): «يجمع».
[24] «الجنَّة»: سقط من (د) و(ع).