إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: اللهم ربنا لك الحمد أنت قيم السموات والأرض

          7442- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد، ولأبي ذرٍّ: ”حدَّثنا“ (ثَابِتُ بْنُ مُحَمَّدٍ) بالمثلَّثة والموحَّدة، أبو إسماعيل العابد الكوفيُّ قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) الثَّوريُّ (عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ) عبد الملك بن عبد العزيز (عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ) بن أبي مسلمٍ المكِّيِّ (عَنْ طَاوُسٍ) أبي عبد الرَّحمن بن كيسان (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ☻ ) أنَّه (قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلعم إِذَا تَهَجَّدَ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) الذي يقوم بحفظهما وحفظ من أحاطتا به واشتملتا(1) عليه، تؤتي كلًّا ما به قوامه، وتقوم على كلِّ شيءٍ مِنْ خَلْقِك بما تراه من التَّدبير (وَلَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ) فهو ربُّ كلِّ شيءٍ ومليكه وكافله ومغذِّيه‼ ومصلحه، العوَّاد عليه بنعمه(2) (وَلَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ) أي: منوِّر ذلك، والعرب تسمِّي الشَّيء باسم الشَّيء إذا كان منه تسبَّب، فهو بمعنى اسمه الهادي؛ لأنَّه يهدي بالنُّور الظَّاهر الأبصار إلى المبصَرات الظَّاهرة، ويهدي بالنُّور الباطن البصائر الباطنة إلى المعارف الباطنة، فهو إذًا منوِّر السَّموات والأرض، وهو النُّور الذي أنار كلَّ شيءٍ ظاهرًا وباطنًا، وإذًا كان هو(3) النُّور؛ لأنَّ منه النُّور وبالنُّور نوَّر البصائر، وأنار الآفاق والأقطار، فهو صفة فعلٍ (أَنْتَ الحَقُّ) المتحقِّق وجوده (وَقَوْلُكَ الحَقُّ) أي: مدلوله ثابتٌ (وَوَعْدُكَ الحَقُّ) لا يدخله خُلْفٌ ولا شكٌّ في وقوعه (وَلِقَاؤُكَ الحَقُّ) أي: رؤيتك في الآخرة حيث لا مانع (وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ) كلٌّ منهما موجودٌ (وَالسَّاعَةُ) أي: قيامها (حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ) أي: انقدت لأمرك ونهيك (وَبِكَ آمَنْتُ) أي: صدَّقت بك وبما أنزلت (وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ) أي: فوَّضت أمري إليك (وَإِلَيْكَ خَاصَمْتُ) مَن خاصمني مِن الكفَّار (وَبِكَ) وبما آتيتني من البراهين والحجج (حَاكَمْتُ) مِن خاصمني مِن الكفَّار (فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَأَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ(4) وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ) قاله تواضعًا وإجلالًا لله تعالى وتعليمًا لأمَّته.
          (قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ) محمَّد بن إسماعيل البخاريُّ: (قَالَ / قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ) وسقط لأبي ذرٍّ «قال أبو عبد الله» وأثبت الواو في قوله: ”وقال قيس بن سعدٍ“ بسكون العين، المكِّيُّ الحنظليُّ فيما وصله مسلمٌ وأبو داود (وَأَبُو الزُّبَيْرِ) محمَّد بن مسلم بن تدرس القرشيُّ الأسديُّ، ممَّا وصله مالكٌ في «موطَّئه» (عَنْ طَاوُسٍ: قَيَّامُ) بفتح التَّحتيَّة المشدَّدة فألفٌ بوزن «فعَّال» بالتَّشديد، صيغة مبالغةٍ.
          (وَقَالَ مُجَاهِدٌ) المفسِّر فيما وصله الفريابيُّ: ({الْقَيُّومُ}) هو (القَائِمُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ) وقال في «شرح المشكاة»: {الْقَيُّومُ}: «فيعولٌ» للمبالغة كالدَّيُّور والدَّيُّوم(5)، ومعناه: القائم بنفسه، المقيم لغيره، وهو على الإطلاق والعموم، لا يصحُّ إلَّا لله، فإنَّ(6) قوامه بذاته لا يتوقَّف بوجهٍ مّا على غيره، وقوام كلِّ شيء به؛ إذ لا يُتصوَّر للأشياء وجودٌ ودوامٌ إلَّا بوجوده، قال الشيخ أبو القاسم(7): فمن عرف أنَّه القيَّوم بالأمور استراح عن كدِّ التَّدبير وتعب الاشتغال وعاش براحة التَّفويض، فلم يضنَّ بكريمةٍ، ولم يجعل في قلبه للدُّنيا كثرة قيمةٍ.
          (وَقَرَأَ عُمَرُ) بن الخطَّاب ☺ : (▬القَيَّامُ↨) من قوله: {اللّهُ (8)لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}[البقرة:255] بوزن «فعَّالٍ» بالتَّشديد (وَكِلَاهُمَا) أي: {الْقَيُّومُ} و▬القيَّام↨ (مَدْحٌ) لأنَّهما من صيغ المبالغة، ولا يُستعمَلان في غير المدح بخلاف «القيِّم» فإنَّه يُستعمَل في الذَّمِّ أيضًا.


[1] في (ع): «أحاطت به واشتملت».
[2] في (د): «بنعمته».
[3] في (د): «منه».
[4] في (د): «وما أسررت وما أعلنت».
[5] في (ع): «كالدَّيُّور والدَّبُّور».
[6] في (ل): «فإنَّه».
[7] قوله: «قال الشيخ أبو القاسم» زيادة من شرح المشكاة(6/1803).
[8] اسم الجلالة: ليس في (د).