إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {ملك الناس}

          ░6▒ (بابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى) وسقط لغير أبي ذرٍّ لفظ «باب» ({مَلِكِ النَّاسِ}[الناس:2]) الملك معناه: ذو الملك، وهو إذا كان عبارةً عن التَّصرُّف في الأشياء بالخلق والإبداع والإماتة والإحياء كان من أسماء الأفعال كالخالق، وإن كان راجعًا إلى القدرة فهي صفة ذاتٍ(1)، وعن بعض المحقِّقين: «الملك الحقّ» هو الغنيُّ مطلقًا في ذاته وفي صفاته عن كلِّ ما سواه، ويحتاج إليه كلُّ ما سواه إمَّا بواسطةٍ أو بغير واسطةٍ، فهو بتقديره منفردٌ وبتدبيره متوحِّدٌ، ليس لأمره مردٌّ ولا لحكمه ردٌّ، أمَّا العبد فإنَّه يحتاج(2) في الوجود إلى الغير، والاحتياج ممَّا ينافي الملك، فلا يمكن أن يكون له ملكٌ مطلقٌ، والمَلِك يختصُّ عرفًا بمن يسوس ذوي العقول ويدبِّر أمورهم، فلذلك تقول(3): {مَلِكِ النَّاسِ}[الناس:2] ولا يقال: ملك الأشياء، ووظيفة العارف من هذا الاسم أن يعلم أنَّه هو المستغني على الإطلاق عن كلِّ شيءٍ، وما عداه مفتقرٌ إليه في وجوده وبقائه، مسخَّرٌ لحكمه وقضائه، فيستغني عن النَّاس رأسًا ولا يرجو ولا يخاف إلَّا إياه، ويتخلَّق به بالاستغناء عن الغير، قال في «الكشَّاف»: فإن قلت: هلَّا اكتفى بإظهار المضاف إليه مرَّةً واحدةً؟ قلت: لأنَّ عطف البيان للبيان، فكان مظنّةً للإظهار، فلهذا كرَّر لفظ {النَّاسِ} لأنَّ عطف البيان يحتاج إلى مزيد الإظهار، ولأنَّ التَّكرير يقتضي مزيد شرف النَّاس وأنَّهم أشرف المخلوقات، وقال الإمام فخر الدِّين: وإنَّما بدأ بذكر الرَّبِّ، وهو اسمٌ لمن قام بتدبيره وإصلاحه من أوائل نعمه وإلى أن ربَّاه وأعطاه العقل، فحينئذٍ عرف بالدَّليل أنَّه عبدٌ مملوكٌ وهو مالكٌ، فثنَّى بذكر الملك، ولمَّا علم أنَّ العبادة لازمةٌ له وعرف أنَّه معبودٌ مستحقٌّ لتلك العبادة عرَّفه بأنَّه إله، فلهذا خَتَم به.
          (فِيهِ) أي: في هذا الباب (ابْنُ عُمَرَ) أي: حديثه (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) ممَّا وصله في «بابِ قول الله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}[ص:75]» الآتي إن شاء الله تعالى بعد اثني عشر بابًا [خ¦7412] بلفظ: «إنَّ الله يقبض يوم القيامة الأرض وتكون السَّموات بيمينه ثمَّ يقول: أنا الملك».


[1] قوله: «وإن كان راجعًا إلى القدرة فهي صفة ذاتٍ» مثبتٌ من هامش (د).
[2] في (ب) و(س): «محتاجٌ».
[3] في (ع): «يقال».