إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {بل هو قرآن مجيد فى لوح محفوظ}

          ░55▒ (بابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ}) أي: شريفٌ عالي الطَّبقة في الكتب، وفي نظمه وإعجازه، فليس كما تزعمون أنَّه مفتَرًى وأنَّه أساطير الأوَّلين ({فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ}[البروج:22]) من وصول الشَّياطين إليه‼.
          وقوله تعالى: ({وَالطُّورِ}) الجبل الذي كلَّم الله عليه موسى وهو بمَدْيَن ({وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ}[الطور:1_2] قَالَ قَتَادَةُ) فيما وصله المؤلِّف في كتاب «خلق أفعال العباد» أي: (مَكْتُوبٌ. يَسْطُرُونَ) أي: (يَخُطُّونَ) رواه عبد بن حُمَيدٍ من طريق شيبان عن قتادة ({فِي أُمِّ الْكِتَابِ}[الزخرف:4] جُمْلَةِ الكِتَابِ وَأَصْلِهِ) كذا أخرجه عبد الرَّزَّاق في «تفسيره» عن مَعْمَرٍ عن قتادة.
          ({مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ}[ق:18]) أي: (مَا يَتَكَلَّمُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا كُتِبَ / عَلَيْهِ) وصله ابن أبي حاتمٍ من طريق شعيب بن إسحاق عن سعيد بن أبي عَروبة عن قتادة و(1) الحسن، ومن طريق زائدة بن قدامة عن الأعمش عن مجمعٍ قال: «الملك مداده ريقه، وقلمه لسانه».
          (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) ☻ في قوله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ} (يُكْتَبُ الخَيْرُ وَالشَّرُّ).
          وقوله: ({يُحَرِّفُونَ}) في قوله تعالى: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ}[المائدة:13] أي: (يُزِيلُونَ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُزِيلُ لَفْظَ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ اللهِ ╡، وَلَكِنَّهُمْ يُحَرِّفُونَهُ يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ) يحتمل أن يكون هذا من كلام المؤلِّف ذيَّل(2) به على تفسير ابن عبَّاسٍ، وأن يكون من بقيَّة كلام ابن عبَّاسٍ في تفسير الآية، وقد صرَّح كثيرٌ بأنَّ اليهود والنَّصارى بدَّلوا ألفاظًا كثيرةً من التَّوراة والإنجيل وأتوا بغيرها من قِبَل أنفسهم، وحرَّفوا أيضًا كثيرًا من المعاني بتأويلها على غير الوجه، ومنهم من قال: إنَّهم بدَّلوهما كلَّهما، ومن ثمَّ قيل: بامتهانهما، وفيه نظرٌ؛ إذ الآيات والأخبار كثيرةٌ في أنَّه بقي منهما أشياء كثيرةٌ لم تُبدَّل، منها آية {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ}[الأعراف:157] وقصَّة رجم اليهوديِّين، وقيل: التَّبديل وقع في اليسير منهما، وقيل: وقع في المعاني لا في الألفاظ، وهو الذي ذكره هنا، وفيه نظرٌ فقد وُجِد في الكتابين ما لا يجوز أن يكون بهذه الألفاظ من عند الله أصلًا، وقد نقل بعضهم الإجماع على أنَّه لا يجوز الاشتغال بالتَّوراة والإنجيل ولا كتابتهما ولا نظرهما، وعند أحمد والبزَّار _واللَّفظ له_ من حديث جابرٍ قال: نسخ عمر كتابًا من التَّوراة بالعربيَّة، فجاء به إلى النَّبيِّ صلعم فجعل يقرأ، ووجه النَّبيِّ صلعم يتغيَّر، فقال له رجلٌ من الأنصار: ويحك يا ابن الخطَّاب؛ ألا ترى وجه رسول الله صلعم ؟ فقال رسول الله صلعم : «لا تسألوا أهل الكتاب عن شيءٍ فإنَّهم لن يهدوكم و(3)قد ضلُّوا، وإنَّكم إمَّا أن تكذِّبوا(4) بحقٍّ أو تصدِّقوا بباطلٍ، واللهِ لو كان موسى بين أظهركم ما حلَّ له إلَّا اتّباعي» ورُوِي في ذلك أحاديث أخر كلُّها ضعيفةٌ، لكنَّ مجموعها يقتضي أنَّ لها أصلًا، قال الحافظ ابن حجرٍ في «الفتح» _ومنه لخَّصت ما ذكرته_: والذي يظهر أنَّ كراهة(5) ذلك للتَّنزيه لا للتَّحريم، والأَولى في هذه المسألة التَّفرقة بين من لم يتمكَّن ويَصِرْ من الرَّاسخين في الإيمان، فلا يجوز له‼ النَّظر في شيءٍ من ذلك، بخلاف الرَّاسخ فيه ولا سيَّما عند الاحتياج إلى الرَّدِّ على المخالف، ويدلُّ له نقل الأئمَّة قديمًا وحديثًا من التَّوراة، وإلزامهم التَّصديق بمحمَّدٍ صلعم بما يستخرجونه من كتابهم، وأمَّا الاستدلال للتَّحريم بما ورد من غضبه ╕ فمردودٌ بأنَّه قد يغضب من فعل المكروه، ومن فعل ما هو خلاف الأولى إذا صدر ممَّن لا يليق به ذلك كغضبه من تطويل معاذٍ الصَّلاة بالقراءة. انتهى.
          وقوله: ({دِرَاسَتِهِمْ}) في قوله تعالى: {وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ}[الأنعام:156] هي (تِلَاوَتُهُمْ) وصله ابن أبي حاتمٍ من طريق عليِّ بن أبي(6) طلحة، عن ابن عبَّاسٍ.
          وقوله: ({وَاعِيَةٌ}) من قوله تعالى: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ}[الحاقة:12] أي: (حَافِظَةٌ {وَتَعِيَهَا}) أي: (تَحْفَظُهَا) وصله ابن أبي حاتمٍ عن ابن عبَّاسٍ أيضًا، وقوله تعالى: ({وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ}[الأنعام:19]) قال ابن عبَّاسٍ فيما وصله ابن أبي حاتمٍ أيضًا: (يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ، {وَمَن بَلَغَ} هَذَا القُرْآنُ فَهْوَ لَهُ نَذِيرٌ) وصله ابن أبي حاتمٍ عن ابن عبَّاسٍ أيضًا.


[1] في (ب) و(س): «عن»، والمثبت موافق لما في «الفتح» (13/232).
[2] في (ع): «دليل»، وهو تحريفٌ.
[3] زيد في (ع): «إنَّهم».
[4] في (د): «تكذِّبوهم».
[5] في (د): «كراهيَّة».
[6] «أبي»: سقط من غير (ع).