إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب ما يذكر في الذات والنعوت وأسامي الله

          ░14▒ (بابُ مَا يُذْكَرُ) بضمِّ أوَّله وفتح ثالثه (فِي الذَّاتِ) الإلهيَّة (وَالنُّعُوتِ) أي: والصِّفات القائمة بها (وَأَسَامِي اللهِ) ╡، قال القاضي عياضٌ: ذات الشَّيء نفسه وحقيقته، وقد استعمل أهل الكلام «الذَّات» بالألف واللَّام، وغلَّطهم النُّحاة وجوَّزه بعضهم؛ لأنَّها تَرِدُ بمعنى النَّفس وحقيقة الشَّيء، وجاء في الشِّعر، ولكنَّه شاذٌّ، واستعمال البخاريِّ لها على ما تقدَّم من أنَّ المراد بها نفس الشَّيء، على طريقة المتكلِّمين في حقِّ الله تعالى، ففرَّق بين النُّعوت والذَّوات، وقال ابن برهان: إطلاق المتكلِّمين الذَّات في حقِّ الله تعالى من جهلهم؛ لأنَّ «ذات» تأنيث «ذو» وهو جلَّت عظمته لا يصحُّ له إلحاق تاء التَّأنيث، قال: وقولهم: «الصِّفات الذَّاتيَّة» جهلٌ منهم أيضًا؛ لأنَّ النَّسب إلى «ذات» ذويٌّ، وأجيب: بأنَّ الممتنع استعمالها بمعنى صاحبة، أمَّا إذا قُطِعَت عن هذا المعنى، واستُعمِلَت بمعنى الاسميَّة فلا محذور، كقوله تعالى: {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}[الأنفال:43] أي: بنفس الصُّدور.
          (وَقَالَ خُبَيْبٌ) بضمِّ الخاء المعجمة، وفتح الموحَّدة، ابن عديٍّ الأنصاريُّ: (وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ، فَذَكَرَ الذَّاتَ) متلبِّسًا(1) (بِاسْمِهِ تَعَالَى) أو ذكر حقيقة الله تعالى بلفظ الذَّات، قال في «الفتح»: ظاهر لفظه(2) أنَّ مراده أنَّه أضاف لفظ «ذات» إلى اسم الله تعالى، وسمعه النَّبيُّ صلعم فلم يُنكِره، فكان جائزًا، وقد ترجم البيهقيُّ في «الأسماء والصِّفات»: «ما جاء في الذَّات» وأورد حديث أبي هريرة المتَّفق عليه في ذكر إبراهيم ◙ : «إلَّا ثلاث كذباتٍ: ثنتين في ذات الله» [خ¦3358] وحديث: «ولا تفكَّروا(3) في ذات الله» ومعنى ذلك: من أجل، أو بمعنى(4) حقّ، فالظَّاهر أنَّ المراد جواز إطلاق لفظ «ذات» لا بالمعنى الذي أحدثه المتكلِّمون، ولكنَّه غير مردودٍ؛ إذ(5) عُرِف أن المراد به النَّفس؛ لثبوت لفظ النَّفس في القرآن.


[1] في (د) و(ع): «ملتبسًا».
[2] الهاء عائدة على الكِرماني لأنه صاحب قول: «أو ذكر حقيقة الله تعالى بلفظ الذات، كما نص عليه الحافظ ابن حجر واختصره المؤلف هنا. فلم يبق لعود الضمير اسم مذكور».
[3] في (ع): «تتفكروا».
[4] في (ع): «المعنى» وسقط منها «أو».
[5] في (د): «إن»، وفي (س): «إذا».