إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {كل يوم هو في شأن}

          ░42▒ (باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}[الرحمن:29]) أي: كلَّ وقتٍ وحينٍ يحدث أمورًا ويجدِّد أحوالًا كما رُوِي(1) ممَّا سبق معلَّقًا عن أبي الدَّرداء قال: «{كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} يغفر ذنبًا، ويكشف كربًا، ويرفع قومًا ويضع آخرين» [خ¦65-7166] ، وعن ابن(2) عيينة: الدَّهر عند الله يومان: أحدهما: اليوم الذي هو مدَّة الدُّنيا، فشأنه فيه الأمر والنَّهي والإحياء والإماتة والإعطاء والمنع، والآخر: يوم القيامة، فشأنه فيه الحساب والجزاء، واستُشكِل بأنَّه قد صحَّ أنَّ القلم جفَّ بما هو كائنٌ إلى يوم القيامة، وأُجيب / بأنَّها شؤونٌ يبديها لا شؤونٌ يبتديها.
          (وَ) قولِه تعالى: ({مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ}[الأنبياء:2]) ذكر الله تعالى ذلك بيانًا لكونهم معرضين في قوله: {وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ}[الأنبياء:1] وذلك أنَّ الله تعالى يجدِّد(3) لهم الذِّكر في(4) كلِّ وقتٍ، ويظهر لهم الآية بعد الآية، والسُّورة بعد السُّورة؛ ليكرّر على أسماعهم الموعظة لعلَّهم يتَّعظون، فما يزيدهم ذلك إلَّا استسخارًا، فمعنى {مُّحْدَثٍ} هو أنَّ يحدث الله الأمر بعد الأمر، أو مُحدَثٌ في التَّنزيل، فالإحداث بالنِّسبة للإنزال، وأمَّا المنزَّل(5) فقديمٌ، وتعلُّق القدرة حادثٌ، ونفس القدرة قديمةٌ، فالمذكور _وهو القرآن_ قديمٌ، والذِّكر حادثٌ لانتظامه من الحروف الحادثة، فلا تمسُّك للمعتزلة بهذه الآية على حدوث القرآن، ويحتمل أن يكون المراد بالذِّكر هنا هو وعظ رسول الله(6) صلعم وتحذيره إيَّاهم عن معاصي الله، فسُمِّي وعظه ذكرًا، وأضافه إليه تعالى لأنَّه فاعله في الحقيقة، ومقدِّرٌ رسوله على اكتسابه.
          (وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}[الطلاق:1] وإنَّ حدثه لا يشبه حدث المخلوقين؛ لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى:11]‼) لعلَّ مراده أنَّ(7) المحدث غير المخلوق كما هو رأي البلخيِّ وأتباعه، وقد تقرَّر أنَّ صفات الله تعالى إمَّا سلبيَّةٌ وتُسمَّى بالتَّنزيهات، وإمَّا وجوديَّةٌ حقيقةً كالعلم والإرادة والقدرة وأنَّها قديمةٌ لا محالة، وإمَّا إضافيَّةٌ كالخلق والرِّزق، وهي حادثةٌ، ولا يلزم من حدوثها تغيُّرٌ في ذات الله وصفاته التي هي بالحقيقة صفاتٌ له كما أنَّ تعلُّق العلم وتعلُّق القدرة بالمعلومات والمقدورات حادثةٌ(8)، وكذا كلُّ صفةٍ فعليَّةٍ له.
          (وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ) عبد الله ☺ : (عَنِ النَّبِيِّ صلعم : إِنَّ اللهَ) ╡ (يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ، وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ أَلَّا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ) أخرجه أبو داود موصولًا مُطوَّلًا، ومراد المؤلِّف من سياقه هنا الإعلام بجواز الإطلاق على الله تعالى بأنَّه مُحدِثٌ _بكسر الدَّال_ لكنَّ إحداثه لا يشبه إحداث المخلوقين، تعالى الله.


[1] زيد في (ص) و(ع): «أنَّ من شأنه كما رُوِي».
[2] في (ب): «أبي»، وهو تحريفٌ.
[3] في (د): «يحدث».
[4] «في»: مثبتٌ من (د).
[5] في (ص): «المنزول».
[6] في (د): «الرَّسول».
[7] «أنَّ»: ليس في (ص) و(ع).
[8] في (ب) و(س): «حادثان».