التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: نثل لي النبي كنانته يوم أحد فقال: ارم فداك أبي وأمي

          4055- قوله: (حَدَّثَنا(1) عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ): هو المسنَديُّ كما تَقَدَّم في (الجمعة) [خ¦899]، وصرَّح به ابن طاهر، لا الحافظ الكبير أبو بكر ابن أبي شيبة، و(هَاشِمُ بنُ هَاشِمٍ السَّعْدِيُّ): قال الدِّمياطيُّ: (هو هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقَّاص، نُسِب إلى عمِّ أبيه سعد بن أبي وقَّاص؛ لأنَّه سيِّد أهل بيتهم)، انتهى، وسيأتي ما فيه هنا قريبًا، وقد تَقَدَّم غيرَ مرَّةٍ، يروي عن ابن المُسَيِّـَب، وعامر بن سعد، وعنه: أبو أسامة، ومكِّيٌّ، ثقة، أخرج له الجماعة، توفِّي سنة ░147هـ▒، تَقَدَّم [خ¦2744]، ولكن بَعُد العهد به، وتَقَدَّم عليه.
          تنبيهٌ: قال الذَّهبيُّ في «تذهيبه»: (هاشم بن هاشم بن عتبة، ويقال: هاشم بن هاشم بن هاشم ابن عتبة بن أبي وقَّاص، قلت: وهذا أصحُّ، فإنَّ هاشم بن عتبة قُتِل بصفِّين، ولا يمكن أن يكون هذا ولده لصلبه، إلَّا ولد ولده)، انتهى، و(سَعِيْدُ بْنُ المُسَيِّـَبِ): تَقَدَّم أنَّه بفتح ياء (المُسَيِّـَب) وكسرها، وأنَّ غيره ممن اسمه المسيَّب لا يجوز فيه إلَّا الفتح [خ¦26].
          قوله: (نَثَلَ لِي رَسُولُ اللهِ(2) صلعم كِنَانَتَهُ يَوْمَ أُحُدٍ): (نَثَل)؛ بفتح النون والثاء المُثلَّثة، ومعنى (نثل كنانته): أي: صبَّ ما فيها، قال شيخنا بعد ضبطِه (نَثَلَ) ما لفظه: (وضبطها بعضهم بمثنَّاة؛ أي: قدَّمها إليه)، انتهى.
          قوله: (كِنَانَتَهُ): هي بكسر الكاف، وهي جَعبة السهام؛ لأنَّها تُكِنُّ السهام؛ أي: تسترها.
          قوله: (فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي): تَقَدَّم الكلام على (فداك) [خ¦979]، وأمَّا قوله: (أبي وأمي)؛ قال السُّهيليُّ في «روضه» قبيل حميراء الأسد: (فقه هذا الحديث أنَّه جائز هذا الكلام لمن كان أبواه غير مؤمنين، وأمَّا مَن كان أبواه مؤمنين؛ فلا؛ لأنَّه كالعقوق لهما، [كذلك] سمعت شيخنا أبا بكر يقول في هذه المسألة)، انتهى، وشيخه الظَّاهر أنَّه القاضي أبو بكر ابن العربيِّ، الإمام المالكيُّ، وما ذكره فيه نظرٌ؛ لأنَّه جاء من كلامِ غيرِ واحدٍ التفدية ممَّن أبواه مؤمنان، ومنها قول أبي بكر الصِّدِّيق للنَّبيِّ صلعم بحضرته: (فَدَيناك بآبائنا وأمهاتنا)، وهذا قاله له ◙ حين صعد المنبر في آخر حياته، ثُمَّ قال بعد أن صلَّى على أهل أُحُد صلاتَه على الميت: «إنَّ عبدًا خيَّره الله بين الدنيا، وبين ما عنده؛ فاختار ما عند الله»، وكان إذ ذاك أبو قحافة مسلمًا؛ لأنَّه أسلم في الفتح، وأمُّ الخير أمُّ أبي بكرٍ قديمة الإسلام، صحابيَّةٌ أيضًا، وكذا فدَّاه أبو بكرٍ بعد موته لمَّا كشف عن وجهه ◙ الحِبْرة، ثُمَّ أكبَّ عليه، فقبَّله، ثم بكى، ثُمَّ قال: (بأبي أنت وأمِّي يا نبيَّ الله؛ لا يجمع الله عليك موتتين)، وفي «مسلم» من حديث عائشة: (وإذا هو راكع أو ساجد يقول: «سبحانك وبحمدك لا إله إلَّا أنت»، فقلت: بأبي وأمِّي، إنَّي لفي شأنٍ، وإنَّك لفي آخر)، ولعلَّ هذا لا يمنعه القاضي أبو بكر؛ لأنَّه مَن فدَّى أبويه بالنَّبيِّ صلعم ليس بعاقٍّ؛ لأنَّ كلَّ الأمَّة يجب عليهم أن يفدوا مُهجتَهم بمُهجَتِه، وإنَّما الكلامُ في غيره صلعم، وقد تَقَدَّم في (العيدين) [خ¦979].
          تنبيهٌ: قد فدَّى ◙ سعدًا كما هنا، وفدَّى الزُّبَيرَ بن العوَّام، قال النَّوويُّ: (وفدَّى غيرَهما)، والله أعلم.
          فائدةٌ: قال الزُّهريُّ: (رمى سعد يومئذٍ ألف سهم)؛ كذا في «المستدرك»، وفي «شرف المصطفى»: (فما من سهم / رمى به إلَّا قال ◙: «إيهًا سعدُ! فداك أبي وأمِّي»)؛ قاله شيخنا، وقد سيق مطوَّلًا في مناقب سعدٍ [خ¦3725].


[1] كذا في (أ)، وفي «اليونينيَّة» و(ق): (حدثني).
[2] كذا في (أ) و(ق)، وفي «اليونينيَّة» و«نفيسة»: (النَّبيُّ).