التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الرطب والتمر

          ░41▒ بابُ الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} [مريم:25].
          5442- وقال مُحَمَّد بن يُوسُفَ، عن سُفْيَانَ بن مَنْصُورِ ابن صَفِيَّة: حَدَّثَتْنِي أُمِّي، عَنْ عَائِشَة قَالَتْ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلعم وَقَدْ شَبِعْنَا مِنَ الأَسْوَدَيْنِ: التَّمْرِ، وَالْمَاءِ.
          5443- ثُمَّ ساقَ حديث جابرٍ ☺ كَانَ بِالْمَدِينَةِ يَهُودِيٌّ، وَكَانَ يُسْلِفُنِي فِي تَمْرِي إِلَى الْجِدَادِ.. الحديث. إلى أن قال: وأكَلَ مِن رُطَبِها. /
          الشَّرح: تعليق مُحَمَّد بن يُوسُفَ سلف مسندًا [خ¦5383] عن مُسْلِمِ بن إبراهيمَ، عن وُهَيبٍ، عن مَنْصُورٍ. وقال أبو نُعَيمٍ: حَدَّثَنا أبو مُحَمَّد بن حبَّان، حَدَّثَنا أبو يَعْلَى، حَدَّثَنا أبو خَيْثَمة، حَدَّثَنا عبد الرَّحْمَن بن مَهْدِيٍّ، عن سُفْيَان، عن مَنْصُورٍ، فذكره. وَمَنْصُور هو ابن عبد الرَّحْمَن بن طَلْحَةَ بن الحارثِ بن طَلْحَة بن أبي طَلْحَة الحَجَبِيُّ.
          وحديث جابرٍ سلف أيضًا غير مرَّةٍ [خ¦2127]، والبُخارِيُّ رواه عن سعيد بن أبي مريمَ، عن أبي غسَّانَ، عن أبي حازِمٍ، عن إبراهيمَ بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن أبي رَبِيعةَ عن جابرٍ. وأبو غسَّان اسمُه مُحَمَّد بن مُطَرِّفٍ، وأبو حازمٍ سَلَمَة بن دِيْنارٍ. قال الإسْمَاعيلِيُّ: في كتابي عن القاسم بن زكريَّا ولم أرَ عليه إجازة، حَدَّثَنا إبراهيم بن هانِئٍ وأحمد بن مَنْصُورٍ قالا: حَدَّثَنا سعيد بن أبي مريمَ. فذكرَه، ثمَّ قال في آخرِه: حَدَّثَنِيه مُحَمَّدُ بن أحمد بن القاسم: حَدَّثَنا يحيى بن صاعِدٍ، حَدَّثَنا أحمد بن منصورٍ وسعيد بن أبي مريمَ به سَوَاء.
          قال: هذه القِصَّة رواها الثِّقات المعروفون فيما كان على أبي جابِرٍ والسَّلف إلى الجِداد ممَّا لا يُجِيزُه البُخارِيُّ وغيرُه، ففي هذا الإسناد نَظَرٌ.
          وقولُه: جابرٌ: (فَجَلَسَتْ، فَخَلاَ عَامًا) قال صاحب «المطالع»: كذا للقَابسِيِّ وأبي ذرٍّ وأكثر الرُّواة أي: اختلفت أي: كلُّ ما نبتَ فيها. يقال: اخْتَلَسْتُ الشيء: اخْتَطَفْتهُ. ولأبي الهيثمَّ: <فَخَاسَت نخلُها عامًا>. وللأَصِيليِّ: <فَحَبَسَتْ>. وصوابُه الثاني أي: خالفت معهودَ حملِها، يقال: خاسَ العهدَ: إذا خانَهُ، وخاسَ الشيءَ: إذا تغيَّر أي: فتغيَّر نخلُها عمَّا كان عليه، وكان أبو مروانَ بن سِراج يصوِّبُ الأوَّلى إلَّا أنَّه يصلُحُ ضبطَها: فَجَلَسْتُ، أي عن القضاء، (فَخَلا) يعني: السَّلف عامًا، لكن ذكرُه للأرض في أوَّلِ الحديث يدلُّ على أنَّ الخبرَ عنها لا عن نفسِه.
          فَصْلٌ: الرُّطَب والتَّمر مِن طيِّبِ ما خَلَق الله وأباحَهُ لعباده، وهو جُلُّ طعام أهل الحجاز وعُمْدة أقواتِهم، وقد دعا إبراهيم ◙ لهم عليه بالبرَكَة، ودعا رسول الله صلعم لتمر المدينة بمثل ما دعا به إبراهيم لمكَّةَ ومثلَه معه. ولا تزال البركةُ في تمرِهم وثمارهم إلى قيام الساعة.
          فَصْلٌ: ظاهر هذا الحديث أن الدَّيْنَ كان على جابرٍ، والذي في أكثر الأحاديث أنَّه على والد جابرٍ.
          وفيه: أنَّهم كانوا لا يخلُونَ مِن دَينٍ عليهم، وكان ◙ يتعوَّذُ مِن المغرَمِ، ومات ودِرْعُهُ مرهونةٌ عند يَهُودِيٍّ، فدلَّ أنَّ تَعَوُّذَه كان مِن كثير الدَّيْنِ. وفيه: أكلُهُ ◙ عند بعض أصحابِه. قال ابن التِّين: ولا يجوز ذلك للأُمَّة إذ ليس فيهم مِن قوَّة اليقين، ولا ممَّن يطعمُه ما في رسول الله صلعم.
          فَصْلٌ: قولُها: (وَقَدْ شَبِعْنَا مِنَ الأَسْوَدَيْنِ: التَّمْرِ، وَالْمَاءِ)، وقد يُرَاد بهما الماءُ والقَثُّ، أنشد ابن سِيدَه في «مُحكمِه»:
الأَسْوَادانِ أَبْرَدا عِظَامِي                     الماءُ والقَثُّ دَوَا أَسْقَامِي