التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: طعام الواحد يكفي الاثنين

          ░11▒ بابُ طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الاِثْنَيْنِ
          5392- ذكر فيه حديث أبي هُرَيْرَةَ ☺ أنَّهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: (طَعَامُ الاِثْنَيْنِ كَافِيِ الثَّلاَثَةِ، وَطَعَامُ الثَّلاَثَةِ كَافِيِ الأَرْبَعَةِ). وأخرجه مسلمٌ والتِّرْمِذيُّ وقال: حَسَنٌ صحيحٌ، والنَّسائيُّ. ولفظ الترجمة أخرجه التِّرْمِذيُّ مِن حديثِ جابرٍ مرفوعًا: ((طعامُ الواحدِ يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمَّانية)). أخرجه عن ابن بشَّارٍ، عن ابن مَهْدِيٍّ، عن سُفْيَانَ، عن الأعمشِ، عن أبي سُفْيَان، عن جابرٍ. قال الطَّرْقيُّ في كتابه: أظنُّ أبا عيسى وَهَم في إسنادِه؛ لأنَّه كان ضَرِير البصر يُملِي حفظًا. قلت: قد أخرجه ابن سعدٍ، عن أبي مُعَاوِيَة، عن الأعمشِ، وأخرجه مُسْلمٌ، عن جماعةٍ عن أبي مُعَاوِيَةَ. مِن طريقِ ابن جُرَيجٍ، والثَّوريِّ عن أبي الزُّبَير عنه، وليس على شرط البُخارِيِّ، وأورده ابن بطَّالٍ مِن حديثِ ابن وَهْبٍ / عن ابن لَهِيعةَ، عن أبي الزُّبَير، عن جابرٍ مرفوعًا، فذكره كما سُقناه.
          وأمَّا ابن المنِّير فقال: قد وردَ حديثٌ بلفظِها لكن لم يُوافِق شرطَ البُخارِيِّ فاستقرأ معناه على الجُملة مِن هذا الحديث، ورأى أنَّ مَن أمكنَهُ ترك الثُلُث أمكنَهُ ترك النِّصف لتقاربهما، وكأنَّه رأى أبا سُفْيَان وأبا الزُّبَير ليسا على شرطِه، وله طريقٌ آخر واهٍ أخرجه ابن أبي عاصِمٍ مِن حديثِ سَمُرَة بن جُنْدُبٍ. قال أبو حاتمٍ في «علله»: حديثٌ باطلٌ. قال التِّرْمِذيُّ: وفي الباب عن ابن عُمَرَ أيضًا.
          إذا تقرَّر: فالمراد أنَّ مَا يَشْبع منه اثنان يكفي ثلاثةً، وما يُشبِع ثلاثةً يَكفي أربعةً، وكذا في الإثنين مع الأربعةِ، والأربعةِ مع الثمَّانيةِ.
          والكِفاية ليست بالشِّبَع والاستبطان كما أنَّها ليست بالغنى والإكثار، أَلَا ترى قول أبي حازِمٍ: إذا كان ما يكفيكَ لا يُغْنيكَ فليس بشيءٍ يُغْنِيكَ. قِيل: إنَّما ذلك لاجتماع الأيدي؛ وكثرة ما يُسمَّى الله عليه، فتعظُم بَرَكتُه، وإنَّما هذا التَّقوُّت كما سيأتي عن عُمَرَ، وقِيل: معنى ذلك إذا كانت المواساة عَظُمَت البَرَكَةُ.
          قال المُهَلَّب: والمراد بهذه الأحاديث الحثُّ على المكارمة في الأكل والمواساة، والإيثار على النَّفْس التي مدح الله تعالى به أصحاب نبيِّهِ بقولِه: {وَيُؤْثِرُونَ على أنَّفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9] ولا يُرَاد بها معنى التساوي في الأكل والتَّشاحَّ؛ لأنَّ قوله ◙: (كَافِيِ الثَّلاَثَةِ). دليلٌ على الأَثَرة التي كانوا يُمْتدَحون بها والتقنُّع بالكِفَاية. وقد همَّ عُمَر ☺ في سَنَةِ مَجَاعةٍ وهي عام الرَّمادة أن يجعل مع أهل كلِّ بيتٍ مثلَهم، وقال: لن يَهْلِك أحدٌ عن نِصف قُوتهِ.
          قال ابن المنذر: وحديث الباب يدلُّ على أنَّه يُستحبُّ الاجتماع على الطَّعام، وأن لا يأكل المرء وحدَه، فإنَّ البركةَ في ذلك على ما جاء في حديث وَحْشِيٍّ عن رسول الله صلعم، وسيأتي [خ¦5450] في باب: مَن أدخل الضِّيفان عشرةً عشرةً، إن شاء الله.
          وقد ظهر أنَّ المراد الكفاية غير الشِّبَع، فدعوى مَن قال: إن هذا ليس على طريق الخِلاف لا يُلْتفت إليه، وكذا قول مَن قال: إنَّه إذا كان طعام الواحد يكفي الاثنين، صار طعام الاثنين كافيًا للأربع، وكذا هَلُمَّ جرَّا؛ لأنَّ المقصود إنَّما هو طعامٌ يُشبع الواحد، فهو كافٍ للاثنين، وكذا ما بعده.