التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب النهس وانتشال اللحم

          ░18▒ بابُ النَّهْسِ وَانْتِشَالِ اللَّحْمِ
          5404- 5405- ذكر فيه: حَدَّثَنا عبدُ اللهِ بن عبدِ الوَهَّابِ، حَدَّثَنا حمَّادٌ، حَدَّثَنا أيُّوبُ، عن مُحَمَّدٍ، عن ابن عبَّاسٍ ☻: تَعَرَّقَ رَسُولُ اللهِ صلعم كَتِفًا ثمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.
          وعن أيُّوبَ وعَاصمٍ، عن عِكْرِمَةَ، عن ابن عبَّاسٍ قال: انْتَشَلَ النَّبِيُّ صلعم عَرْقًا مِنْ قِدْرٍ فَأَكَلَ، ثمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.
          الشَّرح:
          النَّهْسُ: بالسِّين المهملة أخذُ اللَّحم بأطراف الأسنان، وبالمعجمة الأخْذُ بجميعِها، وقد قيَّده بالمهملة ابن التِّين، ونقل ابن بطَّالٍ عن أهل اللُّغة: نَهِسَ الرَّجل والسَّبُع اللَّحم نَهْسًا: قبضَ عليه ثمَّ نَتَرَه، والنَّهْس عند الأصْمَعِيِّ سواءٌ: أخْذُ اللَّحم بالفم، وبه جزم في «الصَّحاح» وقال: إنَّه الأخْذُ بمُقدَّم الأسنانِ وخالفَهُ أبو زيدٍ وغيرُه فقالوا: النَّهْسُ بمقدَّم / الفمِ كَنْهسِ الحيَّة.
          قلت: وقيل بالمهملة: القبضُ على اللَّحم ونَتْرُه عند أكلهِ. فَتحصَّلنا على ثلاثة أحوالٍ: الأخْذُ بالفم بمقدَّمِه التعرقة، وعَرَقْتُ العَظْم واعْتَرَقتُه وتَعَرَّقتُه إذا أخذتَ عنه اللَّحم بأسنانكَ.
          والعَرْق بالسكون العَظْمُ إذا أخذتَ عنه مُعظم اللَّحم، وقال الدَّاوديُّ: هو النَّصِيبُ مِن اللَّحم.
          ومعنى: (انْتَشَلَ): أَخذ قبل النُّضْجِ، وهو النَّشِيل، قالَه الهَرَوِيُّ. ويُقَال للذي يُرفَع به المِنْشَل. وقال ابن بطَّالٍ: انتشالُ اللَّحْم نَتْفُهُ وقَطعُه، يقال: نَشَلْتُ اللَّحْم مِن المَرَق نَشْلًا: أخرجتُهُ مِنه، وقال بعضُهم: نَشَلْتُ اللَّحم نَشْلًا، إذا أخذتَ بيدكَ عُضْوًا فانْتَشَلْتَ ما عليه.
          وقال ابن فارسٍ: النَّشِيلُ: اللَّحْم يُطبخ بلا توابل يُنْشَل بالقِدْر بالمِنْشَلِ ووقعَ في رواية أبي الحَسَن: أَنْشَلَ رُباعيًّا. وفي رواية أبي ذرٍّ وغيرِه: انتشَلَ ثلاثيٌّ، وهو في اللُّغة ثُلَاثيٌّ.
          فَصْلٌ: ومُحَمَّد هذا هو ابن سِيرينَ، ولم يُسمع مِن ابن عبَّاسٍ كما نصَّ عليه غير واحدٍ، قال يحيى بن مَعِينٍ: إنَّما روى عن عِكْرِمَةُ عنه. وسمع مِن ابن عُمَرَ حديثًا واحدًا، ورأى زيد بن ثابتٍ.
          قلت: وهذا الحديث مِن أفرادِهِ، وليس له في «صحيحه» سواه. وكذا قال عبد الله بن أحمدَ، عن أبيه أنَّه لم يَسمع مُحَمَّدٌ منه يقول في كُلِّها: بُلِّغتُ عنه.
          وقال ابن المَدِينيِّ قال شُعْبَةُ: أحاديث مُحَمَّدٍ عنه إنَّما سمعَها مِن عِكْرِمَة، لَقِيَهُ أيَّام المختار بن أبي عُبَيدٍ، فلم يسمع مُحَمَّدٌ مِن ابن عبَّاسٍ شيئًا.
          وقد أخرج له النَّسائيُّ حديثًا في الجنائز مِن حديثِ أيُّوب عنه، عن ابن عبَّاسٍ، ومِن طريقِ مَنْصُور بن زَاذَانَ، عنه، عن ابن عبَّاسٍ، ومِن هذا الوجه أيضًا: خرج النَّبِيُّ صلعم مِن المدينة إلى مكَّة لا يخافُ إلَّا الله فصلَّى ركعتَين. وأخرجه التِّرْمِذيُّ أيضًا.
          وجزم ابن بطَّالٍ بأنَّه لا يصحُّ له سَماعٌ منه قال: ولا مِن ابن عُمَرَ وإنَّما يُسند الحديث بروايتِهِ عن عِكْرِمَة عنه، وما ذكرَه في ابن عُمَرَ يُخَالفُه ما ذكرناه عن يحيى بن مَعِينٍ، وحديث ابن عبَّاسٍ أخرجَه في الطَّهارة مِن حديثِ عَطَاءٍ عنه [خ¦207].
          وقولُه: (وَعَنْ أيُّوب وَعَاصِمٍ) ذكر صاحب «الأطراف» أنَّ البُخارِيَّ رواه في الأطعمة عن عبد الله بن عبد الوَهَّابِ، عن حمَّادٍ عنه، وعن عاصِمٍ كِلَاهما عن عِكْرِمَةَ، وهو كما قال، كما سُقناه أوَّلًا.
          فَصْلٌ: فيه ما ترجم له، وفيه أيضًا ترك الوُضُوء ممَّا مسَّتِ النار كما سلف في بابِه.