التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الحيس

          ░28▒ بابُ الْحَيْسِ
          5425- ذكر فيه حديث أنسٍ ☺ في بنائهِ بِصَفِيَّة، وقد سلف [خ¦371]. والشاهد منه: صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ. والحَيْسُ عند العرب: خَلْط الإِقِط بالتَّمر، تقول: حِسْتُهُ حَيْسًا وحَيْسةً، عن صاحب «العين».
          وقولُه فيه: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ) إلى آخرِه يريد الغَمَّ، يقال: أهمَّني هذا الأمرُ. أي أَخْوَفني وهو مُهِمٌّ، فيحتمِلُ أن يكون مِن هَمَّهُ المرضُ إذا أذابَهُ وأنحلَهُ، مأخوذٌ مِن هَمَّ الشَّحْم، إذا أذابَهُ، والشيءُ مهمومٌ أي مُذَابٌ، فيكون تَعوُّذه مِن المرضِ الذي يُنحِلُ جِسْمَهُ. /
          وقال الدَّاوديُّ: الغمُّ: ما شغَلَ الضَّمير، وليس شيءٌ أضرَّ على البدنِ منه.
          قال: (وَالْحَزَنِ): أن يُصَاب الرجل في أهلهِ، وهما عند القزَّاز سواءٌ الهمُّ والحَزَنُ. والعَجْز: ذهابُ القُدْرة _في وجهٍ_ وهو الكَسَل عن الشيء مع القُدْرةِ عن الأخذ في عملِه، وكِلاهما يجوز أن يُتعوَّذ منه.
          وقال الدَّاوديُّ: (الْعَجْز): تركُ ما يجب فعلُه، و(الْكَسَلِ): فترةٌ بالنَّفْس فَتُثبِّط عن العمل، و(ضَلَعِ الدَّيْنِ): ثِقَلُه، يقال: أَضْلَعني هذا الأمر أي: أَثْقَلني وشقَّ عليَّ، وهو بفتح الضَّاد واللَّام. قال الأصْمَعِيُّ: هو احتمالُ الثِّقَل والقُوَّة. وقِيل: هو مِن الميل، كأنَّهُ يُمِيل صاحبَهُ عن قول الصِّدْق إلى الوعْدِ بالكَذِب، ومنه: كلَّمت فلانًا فكان ضَلْعُكَ عليَّ، أي ميلُكَ. فعلى هذا التأويل يختلِفُ في فتح اللَّام وسكونها.
          قال ابن فارسٍ: ضَلعْتَ ضَلْعًا: إذا مِلْتَ. وحُكِي عن أبي يُوسُفَ: ضَلَعْتَ ضَلْعًا إذا مِلْتَ. والضَّلَعُ الاعوجاج، أي: يُثقِلُهُ حتَّى يُمِيلَ صاحبَهُ عن الاستواء والاعتدال، ويُقَال: ضَلِعَ يَضْلَعُ ضَلَعًا، وَضَلَع يَضْلَعُ ضَلْعًا، أي بالتسكين أي مالَ.
          وقولُه: (يُحَوِّي وَرَاءَهُ)، التَّحْوِيَّةُ أن يُدِير كِسَاءً حولَ سَنَام البعيرِ ثمَّ يركبَه، والاسم الحَوِيَّة، والجمع حَوَايَا.
          ومنه قول عُمَيرِ بن وَهْبٍ يوم بدرٍ: رأيت الحَوَايا عليها المَنَايا.
          فَصْلٌ: وقولُه في أُحُدٍ: (هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ) يحتمل أن يريد أهلَهُ أو حقيقتَهُ، وقد سلف.
          وقولُه: (اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا) أي تحريم الصَّيد فيها.
          فَصْلٌ: راوي الحديث عن أنسٍ عَمْرُو بن أبي عَمْرٍو، مولى المُطَّلِب بن عبد الله بن حَنْطَبٍ، وهو مُتكلَّمٌ فيه، وحَنْطَب بفتح الحاء، ووقع في ابن التِّين أنَّه بضمِّها وهو غريبٌ، ولم يروِ عنه مالكٌ في الأَقْضَيةِ والأحكام كما فعل في عبد الكريم بن أبي المُخَارِقِ، وإنَّما أدخل عنهما في الرَّقَائقِ.
          وقد روى مالكٌ عن عَمْرٍو بعض هذا الحديث، وقال النَّسائيُّ: كلُّ مَن روى عنه مالكٌ فهو بمنزلة مالكٍ في الثقة إلَّا عبد الكريم، وَمَن أدخلَه مالكٌ ورضيَه فحسبُكَ به.