التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: {ليس على الأعمى حرج}

          ░7▒ بابٌ {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ} إلى قَوْلِهِ: {مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور:61]
          والنَِّهْدُ والاجْتِمَاعُ على الطَّعام.
          5384- ذكر فيه حديث سُوَيْدِ بن النُّعْمَانِ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلعم إِلَى خَيْبَرَ، فَلَمَّا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ _قَالَ يَحْيَى هو ابن سَعِيدٍ: وَهْيَ مِنْ خَيْبَرَ عَلَى رَوْحَةٍ_ دَعَا رَسُولُ اللهِ صلعم بِطَعَامٍ، فَمَا أُتِيَ إِلَّا بِسَوِيقٍ فَأَكَلْنَا مِنْهُ، ثمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا، فَصَلَّى بِنَا الْمَغْرِبَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.
          قَالَ سُفْيَانُ_يعني راويه عن يحيى بن سَعِيدٍ_: سَمِعْتُهُ عَوْدًا وَبَدْءًا..
          وقد سلف في الطَّهارة [خ¦209] والجِهَاد [خ¦2981] والمغازي [خ¦4195]، وترجم له باب السَّويق كما سيأتي، وراويه عن سُوَيْدٍ بُشَيرُ بن يَسَارٍ _وهو بضمِّ الباء_ مولى بني حَارِثَة مِن الأوس.
          ووجه إدخالِه هنا كما قال المُهَلَّب: أنَّ المعنى الجامع بينهما هو قولُه تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا} [النور:61]، فأباح لهم تعالى الأكلَ مجتمعِين ومُفترِقين مِن بيتٍ مَلَكوا مَفَاتِحَه بائتمانٍ أو قرابةٍ أو صداقةٍ، وذلك أكلٌ بغير مشاورةٍ.
          وذكر الكَلْبِيُّ في هذه الآية قال: كانوا إذا اجتمعوا ليأكلوا عُزِل الأعمى على حِدَةٍ والأعرجُ على حِدَةٍ والمريضُ على حِدَةٍ؛ لتقصير أصحاب الآفات عن أكل الأصحَّاءِ، وكانوا يتحرَّجون أن يُفضَّلوا عليهم، فنزلت هذه الآية رُخْصةً لهم في الأكل جميعًا.
          وقال عَطَاء بن يَزِيْدَ: كان الأعمى يتحرَّج أن يأكل طعام غيرِه لجعلِه يدَهُ في غير موضعِها، وكان الأعمى يتحرَّج ذلك لاتِّساعه في موضع الأكل، والمريض لرائحتهِ، فأباح الله لهم الأكل مع غيرِهم.
          وذُكِر عن أبي العلاء المعرِّيِّ أنَّه كان لا يأكل إلَّا وحدَهُ ويقول: الأكلُ عَورةٌ وهو مِن الأعمى أشدُّ.
          ومعنى الآية كمعنى حديث الباب سواءٌ، أَلَا ترى أنَّه ◙ حين أَمْلَقُوا في السَّفَر جعل أيديَهم جميعًا / فيما بقي مِن الأَزْوِدَة سواءٌ، ولا يمكن أن يكون أكلُهم بالسَّواء أصلًا لاختلاف أحوالِهم في الأكل.
          وقد سوَّغهم الشارع في ذلك مِن الزِّيادة والنُّقصان، فصار ذلك سُنَّةً في الجماعات التي تُدْعَى إلى الطَّعام في النَِّهْد والولائم والإملاق في السَّفَر، وما تَمَلَّكت مفاتِحَهُ بأمانةٍ أو قرابةٍ أو صداقةِ مَلِكٍ أن تأكل مع القريب أو الصَّديق وحدَك.
          وقد أسلفنا قريبًا تفسير النَّهْد، وسلف في الشَّرِكة أيضًا وضبطُه، وعبارة ابن التِّين: النَّهد ما يُخرِجهُ الرُّفقاء عند المُنَاهِدةِ، وهي اسْتِقسامُ النَّفقة بالسَّوِيَّة في السَّفَر، وغيرُه يقول: هاتِ نِهْدكَ. بكسر النُّون، ذكره الهَرَوِيُّ.
          فَصْلٌ: قولُه: (وَصَلَّى بِنَا المَغْرِبَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ). ظاهرٌ في نفي إيجاب الوُضُوء بما مسَّتِ النار، وجَعلَه ابن التِّين مِن قول سُفْيَانَ وليس كما ذكر.
          ░8▒ باب الْخُبْزِ الْمُرَقَّقِ وَالأَكْلِ على الْخِوَانِ وَالسُّفْرَةِ
          ذكر فيه أحاديث:
          5385- أحدُها: حديث قَتَادَةَ قال: كُنَّا عِنْدَ أَنَسٍ ☺ وَعِنْدَهُ خَبَّازٌ لَهُ فَقَالَ: مَا أَكَلَ النَّبِيُّ صلعم خُبْزًا مُرَقَّقًا وَلاَ شَاةً مَسْمُوطَةً حتَّى لَقِيَ اللهَ ╡.
          ويأتي في الباب والرِّقَاق أيضًا [خ¦6450]، وأخرجه ابن ماجه.
          5386- وعن يُونُسَ الإِسْكَافِ عن قَتَادَةَ، عن أنسٍ ☺ قال: مَا عَلِمْتُ النَّبِيَّ صلعم أَكَلَ عَلَى سُكُرُّجَةٍ، وَلَا خُبِزَ لَهُ مُرَقَّقٌ قَطُّ، وَلَا أَكَلَ عَلَى خِوَانٍ. قِيلَ لِقَتَادَة: فَعَلَى مَا كَانُوا يَأْكُلُونَ؟ قَالَ: على السُّفَرِ.
          يأتي في الباب. وأخرجه التِّرْمِذيُّ وقال: غريبٌ. وأخرجه البُخارِيُّ في الرِّقَاق مِن حديثِ عبد الوارث، عن سعيدِ بن أبي عَرُوبةَ، عن قَتَادَةَ والتِّرْمِذيِّ، وقال: حسنٌ صحيحٌ. والنَّسائيِّ وابن ماجه. وَيُونُس هُوَ ابْن أبي الْفُرَات القُرَشيُّ مولاهم، ويقال: المِعْوَليُّ أبو الفُرَات البَصْريُّ مِن أتباع الأتباع، وعنه هِشَامٌ الدَّسْتُوائيُّ في موضعين مِن الباب _أعني: الأطعمةَ_ وجمْعٌ، ثقةٌ روى له البُخارِيُّ والتِّرْمِذيُّ والنَّسائيُّ وابن ماجه. هذا الحديث الواحد، وفي «الجرح والتعديل» للدَّارقُطنيِّ أنَّ البُخارِيَّ جَرَحَه.
          5387- ثانيها: حديث حُميدٍ عن أنسٍ ☺ قام النَّبِيُّ صلعم يَبْني بِصَفيَّة. الحديث. وفيه: أَمَرَ بِالأَنْطَاعِ فَبُسِطَتْ، فَأُلْقِيَ عَلَيْهَا التَّمْرُ وَالأَقِطُ وَالسَّمْنُ.
          وقد سلف في الجهاد [خ¦2893] والمغازي [خ¦4200]. وشيخ البُخارِيِّ فيه هو ابن أبي مريمَ، وهو سعيد بن مُحَمَّد بن الحكم، ويُقَال: الحكمُ بن مُحَمَّد بن أبي مريمَ الجُمَحِيُّ مولاهم المصرِيُّ، وُلِد سنة أربعٍ وأربعين ومئةٍ، ومات سنة أربعٍ وعشرين ومائتين. وقال عَمْرٌو: عن أنسٍ: بَنَى بِهَا النَّبِيُّ صلعم ثمَّ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ. وهذا أسندَه في المغازي كما سلف عن عبد الغَفَّار بن داودَ عن يعقُوب بن عبد الرَّحْمَن عنه، وعَمْرٌو هو ابن أبي عَمْرٍو مولى المُطَلِّب.
          5388- ثمَّ قال البُخارِيُّ: حَدَّثَنا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنا أبو مُعَاوِيَة، حَدَّثَنا هِشَامٌ، عن أبيه وعن وَهْبِ بن كَيْسَانَ قال: كَانَ أَهْلُ الشَّأْمِ يُعَيِّرُونَ ابْنَ الزُّبَيرِ يَقُولُونَ: يَا ابْنَ ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ. فَقَالَتْ لَهُ أَسْمَاءُ: يَا بُنَيَّ، إِنَّهُمْ يُعَيِّرُونَكَ بِالنِّطَاقَيْنِ، هَلْ تَدْرِي مَا النِّطَاقَانِ؟ قالت: إِنَّمَا كَانَ نِطَاقِي، شَقَقْتُهُ نِصْفَيْنِ، فَأَوْكَيْتُ قِرْبَةَ رَسُولِ اللهِ صلعم بِأَحَدِهِمَا، وَجَعَلْتُ فِي سُفْرَتِهِ آخَرَ. قَالَ: فَكَانَ أَهْلُ الشَّأْمِ إِذَا عَيَّرُوهُ بِالنِّطَاقَيْنِ يَقُولُ: إِيهًا وَالإِلَهْ، تِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا.
          وحديث أسماءَ سلف في الصَّلاة، ومُحَمَّدٌ هو ابن سَلامٍ كما نصَّ عليه أبو نُعَيمٍ، وذكر الكَلَابَاذِيُّ أنَّ مُحَمَّد بن سَلَامٍ ومُحَمَّد بن المثنَّى يرويان عن أبي مُعَاوِيَة مُحَمَّد بن خازِمٍ الضَّرير.
          5389- ثُمَّ ساقَ البُخارِيُّ حديث ابن عبَّاسٍ أَنَّ أُمَّ حُفَيْدٍ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ حَزْنٍ _خَالَةَ ابن عبَّاسٍ_ أَهْدَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلعم سَمْنًا وَأَقِطًا وَأَضُبًّا.. الحديث. وقد سلف في الهِبة [خ¦2575]، وشيخ البُخارِيِّ فيه مُحَمَّدُ بن النُّعْمَان، وهو أبو النُّعْمَان الملقب بِعَارِمٍ، عن أبي عَوَانةَ _وهو الوَضَّاح_ عن أبي بِشْرٍ _وهو جعفر بن إِيَاسٍ_ عن سعيد بن جُبَيْرٍ عنه.
          والمرقَّق هو خبزُ السَّميذِ، وما يُصنع منه كعكٌ وغيرُه، قاله ابن التِّين. وقال ابن الجَوزِيِّ: هو الخفيفُ كأنَّه مأخوذٌ مِن الرُّقَاق وهي الخَشَبةُ التي يُرقَّق بها.
          والشاة المَسْمُوطةُ معروفةٌ. وقال ابن الأثير: الشاةُ السَّمِيطُ أي المشويةُ، فَعِيلٌ بمعنى مفعولٍ، وعبارة ابن بطَّالٍ: المَسْمُوطةُ المشوية بِجِلْدها. قال صاحب «العين»: سَمَطتُ الحَمَلَ أَسْمطُه سَمْطًا نَتَفْتُهُ مِن الصُّوف بعد إدخالِه في الماء الحارِّ. وقال صاحب «الأفعال»: سَمَط الجَدْيَ وغيرَه: عَلَّقه مِن السُّمُوطِ، وهي مَعَاليقُ مِن سُيُورٍ تعلَّق مِن السَّرْجِ. وعبارة ابن التِّين عن الدَّاوديِّ: المَسْمُوطة التي يُغلى لها الماء فتُدْخَل فيه بعد أن تُذْبَح ويزال بطنُها ورأسها فيزول عنها الشَّعَر أو الصُّوف ثمَّ تُشْوَى.
          قال ابن الجَوزِيِّ: وهو أكل المترفِّهين، وإنَّما كانوا يأخذون الجِلْد لينتفعوا به.
          ولا يُنَافي حديثُ أنسٍ هذا، وحديثُه الآتي باب الشاة المَسْمُوطة [خ¦5421]: ولا رأى شاةً سَمِيطًا بعينِه قطُّ. مع حديثِ [خ¦5422] جَعْفرِ بن عَمْرِو بن أُمَيَّةَ الضَّمْريِّ عن أبيه قال: رأيت النَّبِيَّ صلعم يحتزُّ مِن كَتِف شاةٍ. وحديثِ أمِّ سَلَمَة في التِّرْمِذيِّ صحيحًا أنَّها قرَّبت لرسول الله صلعم جَنْبًا مَشْوِيًّا فأكَلَ منه ثمَّ قام إلى الصَّلاة. قال: وفي الباب عن عبد الله بن الحارثِ والمغيرة وأبي رافِعٍ.
          وأمَّا ابن بطَّالٍ فأوردَه سؤالًا. ثمَّ قال: والجواب أنَّ قول أنسٍ يحتمل تأويلين:
          أحدهما: أنَّه يمكن أن يكون ◙ لم يتَّفِق له قطُّ أن يُسْمَطُ له شاةٌ بكمالِها؛ لأنَّه قد احتزَّ مِن الكَتِف مرَّةً ومِن الجَنْب أخرى، وذلك لحمٌ غير مَسْمُوطٍ لا مَحَالة.
          والثاني: أنَّ أنسًا قال: ما أعلمُ. ولم يَقْطع على أنَّه ◙ لم يأكل لحمًا مشويًّا، فأخبر بما عَلِم، وأخبر عَمْرُو بن أُمَيَّةَ وأمُّ سَلَمَة وغيرهما أنَّه رأى النَّبِيَّ صلعم يحتزُّ مِن الكَتِف والجَنْب المشوِيِّ، وكلُّ واحدٍ أخبرَ بما عَلِم، وليس قول أنسٍ برافعٍ قولَ مَن عَلِم؛ لأنَّ مَن عَلِم حُجَّةٌ على مَن لم يَعْلَم، / لأنَّه زاد عليه فوجب قبولُها، ولا حاجةَ إلى ذلك.
          وقد أوضحَهُ ابن المنيِّر ووهَّم ما ذكرَه ابن بطَّالٍ فقال: هذا وَهَمٌ ليس في حزِّ الكتف ما يدلُّ على أنَّها كانت مَسْمُوطةً، بل إنَّما حزَّها لأنَّ عادةَ العرب في الغالب أنَّها لا تُنْضِج اللَّحم والشِّواء الْمُضَهَّب يَتَمَادَحُون بأكلهِ، وهو الذي لم يَنْضُج فلعدمِ نُضْجِها احتِيجَ إلى حزِّها.
          وابن بطَّالٍ ظنَّ أنَّ مقصود البُخارِيِّ بتلك الترجمة أنَّ مقصودَه تحقيقُ أنَّه أكل السَّمِيط، فأورد عليه حديث أنسٍ أنَّه ما رآه قطُّ، واعتقد أنَّه أراد ذلك وتلقَّاهُ مِن حزِّها بالسكِّين، وإنَّما يحزُّه إذا شُويت.
          فَصْلٌ: والخُِوان: _بضمِّ الخاء وكسرها_ أعجميٌّ معرَّبٌ، قال الجَوَاليقيُّ: تكلَّمت به العرب قديمًا، وفيه لغتان جَيِّدتان فذكرهما وثالثةٌ دونهما أخوانِ، وكذا قال ابن فارسٍ أنَّه فيما يقال اسمٌ أَعْجَميٌّ. وحُكِي عن ثَعْلبٍ أنَّه قال، وقد سُئل أيجوز أنَّ الخِوَان إنَّما سُمِّي بذلك لأنَّه يُتَخَوَّنُ ما عليه أي: يُنقص؟ فقال: ما يبعُد ذلك. والصَّحيح أنَّه معرَّبٌ ويُجمع على أَخْوِنَةٍ وَخُونٍ.
          قلت: ولا يُنقل كراهة الضمَّة على الواو. وقال عِيَاضٌ: إنَّه المائدةُ ما لم يكن عليها طعامٌ.
          فَصْلٌ: والسُكُّرَّجة: بضمِّ السِّين والكاف وفتح الرَّاء المشدَّدة، ذكره ابن الجَوزِيِّ عن شيخِه أبي منصورٍ اللُّغويِّ قال: وكان بعض أهل اللغة يقول: الصَّواب: أُسْكُرَّجَةُ بالألف وفتح الراء، وهي فارسيَّةٌ معرَّبةٌ وترجمتُها: مُقَرِّبُ الْخِلِّ، وقد تكلَّمت بها العربُ.
          قال أبو عليٍّ: فإن حَقَّرْتَه حَذَفت الجيم والرَّاء فقلت: أُسيكرة. وإن عوَّضت عن المحذوف قلت: أسيكيرة، وكذلك قياس التكسير إذا اضطرَّ إليه. وزعَمَ سِيبويه أنَّ بناتِ الخمسة لا تُكسَر إلَّا على استكراهٍ، فإن جُمِع على غير التكسير أُلحق الألف والياء وقياسُ ما رواه سِيبويه في بُرَيْهِمْ بُرَيْهِيْم وفي سُكُرُّجة سُكَيْرِيجة، وما تقدَّم الوجهُ.
          وذكر عِيَاضٌ أنَّه بضمِّ السين والكاف والراء وقال: كذا قيَّدناه، وكذا اقتصر عليه ابن التِّين وصوَّب ابن مكِّيٍّ فتح الراء قال: وهي قِصَاعٌ صِغَارٌ تُؤكل فيها ومنها صغيرةٌ وكبيرةٌ، فالكبيرةُ تحمل قدْر ستِّ أَوَاقي وقِيل: ما بين ثلاثين أُوقيَّةً إلى أوقيَّةٍ. ومعنى ذلك أنَّ العَجَم كانت تستعملُها في الكَوَاميخِ وما أشبهها مِن الجَوَارِسناتِ حول الموائد للتشهِّي والهَضْم.
          وقال الدَّاوديُّ: هي قَصْعةٌ صغيرةٌ مَدْهونةٌ. قال صاحب «المطالع»: رأيتُ لغيرِه أنَّها قَصْعةٌ ذات قوائمَ مِن عُودٍ كمائدةٍ صغيرةٍ.
          فَصْلٌ: قولُه: (يَبْنِي بِصَفِيَّةَ). وقال بعد: (بَنَى بِهَا). فيه ردٌّ على مَن أنكر أن يُقَال: بنى بها، وإنَّما يقال: بنى عليها.
          فَصْلٌ: النِّطَاق: شَرِيطٌ تَشُدُّ به المرأة وَسَطَها يرفَعُ ثيابَها وتُرْسِلُ عليه إزارَها، قالَه القزَّاز. وقال ابن فارسٍ: هو إزارٌ فيه تِكَّةٌ تَلْبَسُهُ النِّساء. وقال الهَرَوِيُّ: هو أن تأخذَ المرأة ثوبًا فَتَلبسَهُ ثمَّ تَشُدُّ إزارَها وَسَطَها بحبلٍ تُرسِل الأعلى على الأسفل. قال: وبه سُمِّيت أسماءُ ذلك لأنَّها كانت تُطَارِق نِطَاقًا. قال: وقِيل: كان لها نِطَاقان، تلبسُ أحدَهما وتحمِلُ في الآخر الزَّاد لرسول الله صلعم.
          فَصْلٌ: وقول ابن الزُّبَير: (تِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا). هو عَجُز بيتٍ لأبي ذُؤَيبٍ الهُذَليِّ وَصَدْرُهُ:
          وَعَيَّرَهَا الْوَاشُونَ أَنِّي أُحِبُّهَا. بعدَه:
فَإِنْ أَعْتَذِرْ مِنْهَا فَإِنِّي مُكَذَّبٌ                     وَإِنْ تَعْتَذِرْ تُرْدَدْ عَلَيْكَ اعْتِذَارُهَا
          وهو مِن جُملةِ قصيدته التي يَرْثِي بها نَسِيبةَ بنت عَنْبَس بن الحارث الهزلي وأوَّلُها:
هَلِ الدَّهْرُ إِلَّا لَيْلُهَا وَنَهَارُهَا                     وَإِلَّا طُلُوعُ الشَّمْسِ ثُمَّ غِيَارُهَا
أَبَى الْقَلْبُ إلَّا أمَّ عَمْروٍ فَأَصْبَحَتْ                     تُحْرِّقُ نَارِي بِالشَّكَاةِ وَنَارُهَا
          وبعده: وعَيَّرها. قال ابن قُتَيبةَ: لستُ أدري أخذ ابن الزُّبَير هذا مِن قول أبي ذُؤَيبٍ أو ابتدأه هو، وهي كلمةٌ مقولةٌ.
          والشَّكَاة العيبُ والذَّمُّ، قال السُّكَّرِيُّ: الشَّكَاةُ: رفْعُ الصَّوت بالقولِ القبيحِ.
          وقولُه: (ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا). أي مرتفعٌ، ولم يَعْلق به، وأصل الظُّهور: الصُّعود على الشيء والارتفاع فوقه، ومنه: {وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} [الزخرف:33] يقول: لا يعلق بك ولكنَّه يَنْتَفِي عنك.
          وهذا مِن قولهم: ظَهَر فلانٌ فوق، أي عَلَا عليه، تقول: يَنْبُو عنك عَارُها، قال تعالى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} [الكهف:97] أي: يَعْلُوا عليه. وقال ثعلبٌ: أي: لا يلزمُكَ عَارُها. وهذا جهلٌ مِن أهل الشام كقول قوم لُوطٍ: {أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ} الآية [النمل:56].
          وقولُه (يَقُولُ: إِيهًا). قال ابن التِّين: كذا هو في سائر الروايات (إِيْهًا). وذكر أبو سُلَيْمَانَ أنَّه إنَّما هو إيهًا قال: ومعناه الاعتراف بما كانوا يقولونه. والتقرير كذلك مِن قولهم تقول العرب في استدعاء القول مِن الإنسان إيهًا وإِيْه غير مُنوَّنٍ. والذي ذكره اللُّغَويون، ثعلبٌ فمَن بعدَهُ: يقول الرجل إذا استزدتَهُ في الكلِّام: إيهِ. فإذا أَمَرْتُهُ بقطعِهِ: إيهًا، ذكرَه ابن فارسٍ وغيرُه.
          وقولُه: (شَكَاةٌ). هو بكسر الشين في بعض الروايات وبالفتح في بعضِها، وهو الصَّحيح كما قالَه ابن التِّين؛ لأنَّه مصدر شَكَا يَشْكُو شَكَاةً وشِكَايةً وشَكْوًا، إذا أخبرت عنه بشرٍّ، ومعناه أنَّه لا عارَ فيه عليك.
          فَصْلٌ: (وَأَضُبًّا): هو جمع ضَبٍّ، مثل: فَلْس وأَفْلُسٍ، وهو بفتح الهمزة ولا وجهَ لمَن ضمَّها. قال في «العين»: الضَّبُّ يكنى أبا حِسْلٍ. وهو دُوَيْبَةٌ يُشبه الوَرَل، تأكلُهُ الأعراب، وتقول العربُ: هو قَاضِي الطَّير والبَهَائم.
          واحتجَّاج ابن عبَّاسٍ بيِّنٌ وهو حُجَّةٌ على مَن حرَّمه، ونُقِل عن مالكٍ.
          وقولُه: (أُكِلْنَ عَلَى مَائِدَةِ رسول الله صلعم). فيه إثبات المائدة.
          وقول أنسٍ: ((ما أَكَلَ ◙ عَلَى خِوَانٍ قط)). فيه مخالفةٌ له لكنَّهُ لم يَعلم وغيرُه عَلِم.
          والمائدة مأخوذةٌ مِن قولهم مادَني أي: أَطْعَمَني. وقال أبو عُبَيْدٍ: هي فاعلةٌ بمعنى مفعولةٍ ولا تُسمَّى مائدةً إلَّا حتَّى يكون عليها طعامٌ وإلَّا فهي خِوَانٌ. وقد ذكرناه عن عِيَاضٍ فيما سلف أيضًا.
          فَصْلٌ: لا شكَّ في إباحة المِرْفَق كما ترجم له، ولم يتركْه / الشارعُ إلَّا مِن باب الزُّهْد وترك التنعُّم وإيثار ما عند الربِّ جلَّ جلالُهُ، كما ترك كثيرًا ممَّا كان مباحًا له، وكذلك الأكل على الخِوَان مُباحٌ أيضًا، وليس نفي أنسٍ أكلَهُ على خِوَانٍ وسَمِيطٍ رادًّا لمن قال إنَّه أكلَ عليه، وإنَّه أكلَ شِواءً كما أسلفناه آنفًا. وكلٌ أخبر بما عَلِم.
          وهذا ابن عبَّاسٍ يقول في الأضبِّ: إنَّهُنَّ أُكِلْنَ على مائدة رسل الله صلعم فأثبتَ له مائدةً، وقد أنزل الله المائدة على قومِ عِيسى صلعم حين سألوه إيَّاها.
          وأكل المُرَقَّق والشاة المَسْمُوطةِ داخلٌ في قولِه تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف:32] فجميع الطَّيِّبات حلالٌ أكلُها، إلَّا أن يتركَها تاركٌ زهدًا وتواضعًا وشُحًّا على طَيِّباته في الآخرة أن يُنقصها في الدُّنيا، كما فعلَ عليه أفضل الصَّلاة والسلام فذلك مباحٌ له.
          فَصْلٌ: ممَّا ترجم البُخارِيُّ على حديث الضَّبِّ هذا: باب ما كان النَّبِيُّ صلعم لا يأكلُ حتَّى يُسمَّى له، فيعلم ما هو. وسبب سؤالِه لأنَّ العرب كانت لا تعافُ شيئًا مِن المآكل لقلَّتها عندهم، فلذلك كان يسألُ عنه قبل أكلِه.
          فَصْلٌ: أمُّ حُفيدٍ: _بالحاء المهملة_ اسمُها هُزيلة بنت الحارثِ بن حَزْنِ بن البُجَير بن الهُزَمِ بن رُؤَيْبَة بن عبد الله بن هِلالٍ، أخي نُمَيرٍ وسَواءَةَ وربيعةَ بني كِلاب وكَعْبِ ابني رَبِيعةَ بن عامرِ بن صَعْصَعةَ، أختُ أمِّ المؤمنين مَيْمُونةَ بنت الحارثِ لأبيها وأُمِّها، وزوجُها أعرابيٌّ مِن بني جَعْفرِ بن كِلابِ بن رَبِيعةَ بن عامرِ بن صَعْصَعة، وأختُها لأبويها لُبابة الكبرى أمُّ بني العبَّاس، وأختُها لأبويهم أيضًا لُبابة الصُّغرى أمُّ خالدِ بن الوليدِ، وعَصْماءُ بنت الحارثِ ولدت لأُبيِّ بن خَلَفٍ الجُمَحِيِّ أُبيًّا وخَلَفًا وعبد الرَّحْمَن.
          وقال ابن سعْدٍ: لُبابة الصغرى اسمُها عَصْماءُ. فإن صحَّ فيحتمل أن يكون خَلَف عليها أُبيٌّ بعد موت الوليد بن المغيرة.
          وعزَّةُ بنت الحارثِ كانت عند عبد الله بن مالكِ بن الهُزَمِ، فَوَلَدت له زِيَادًا وعبد الرَّحْمَن وَبَرْزةَ، فولدت بَرْزة يَزِيْد بن الأصمِّ عبد عَمْرِو بن عُدُس بن مُعَاوِيَةَ بن عبادة بن البكَّاءِ رَبِيعةَ بن عامرِ بن صَعْصَعةَ، قالَه ابن سعدٍ.
          وقال غيرُه: كانت عزَّةُ بنت الحارث عند زِيَاد بن عبد اللهِ بن مالكِ بن الهُزَم، فَوَلَدت له بَرْزَةَ. وفي روايةٍ: أنَّ بَرْزَة أخت عزَّة، وليس بشيءٍ، هؤلاء أخواتُ مَيْمونَةَ لأبيها وأُمِّها. وأخواتها لأُمِّها: أسماءُ بنت عُمَيسٍ الخَثْعَميَّة أمُّ بني جعفرٍ، وأمُّ مُحَمَّد بن أبي بَكْرٍ، وأمُّ يحيى بن عليٍّ، مات صغيرًا، وسَلْمى بنت عُمَيسٍ، ولدت أُمَامة بنت حَمْزةَ بن عبد المُطَّلِب، زوَّجَها رسول الله صلعم سَلَمَة بن أبي سَلَمَة فتُوفِّيا قبل أن يجتمعا.
          وقال ◙: ((هل جزيتُ سَلَمَة)) حين زوَّجَهُ إيَّاها، وكان سَلَمَةُ زوَّج النَّبِيَّ أُمَّه أمَّ سَلَمَة، ثمَّ خَلَف على سَلْمى شدَّادُ بن أُسامةَ بن الهادِي، واسمُه عَمْرُو بن عبد الله بن جابرِ بن عُتْوَارة بن عامرِ بن ليثِ بن بكرِ بن عبد مَنَاةَ بن كِنَانةَ. فَوَلَدت له عبد الله وعبد الرَّحْمَن ابني شدَّادٍ اتَّفقا على عبد الله أبي الوليد، قُتِل بِدُجَيلٍ سنة إحدى أو اثنتين وثمَّانين، وكان الهادِي عَمْرٌو يُوقِد ناره ليلًا للأضياف ولمن يسلُكُ الطريق ليلًا.
          وسَلَامةُ بنت عُمَيسٍ ولدت أُمَيَّةَ بنت عبد الله بن كعبِ بن عبد الله بن كعبِ بن مُنَبِّهِ بن الحارث بن مُنَبِّه بن الأوسِ الخَثْعَمِيَّ. زوجُها ابن خالتِها عبد الله بن جَعْفرٍ، فَوَلَدت له صالحًا وأسماءَ ولُبابة بني عبد الله ابن جعفر بن أبي طالبٍ. وأمُّ اليَسَعِ هِنْدُ بنت عوفِ بن زُهَيرِ بن الحارثِ ابن حَمَاطَةَ الحِمْيَريةِ الجُرَشيَّةِ، وقِيل: الكِنَانيَّة، ولعلَّهُ بالحِلْف وهي أكرم النَّاس أصهارًا، وبناتها ستُّ أخواتٍ لأبوين وتسعٌ لأمٍّ.
          وقال عليُّ بن عبد العزيز الجُرْجَانيُّ النسَّابةُ أنَّ زينبَ بنتَ خُزَيمةَ الهِلَاليَّةَ أمَّ المؤمنين أختُ مَيْمونةَ لأُمِّها هِنْدٍ. قال ابن عبد البرِّ: لم أرَه لغيره. قال الدِّمْيَاطيُّ: وكانت زينبُ قبلَ رسول الله صلعم عند الطُّفَيل بن الحارث بن المُطَّلِب فطلَّقها، فتزوَّجها أخوه عُبَيْدَةُ، أخو بُحَيْنةَ عُبَيْدَة ابنا الحارثِ، قُتِل عنها شهيدًا يوم بدرٍ.