التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول النبي: اللهم أمض لأصحابي هجرتهم

          ░49▒ (بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلعم: اللهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ. وَمَرْثِيَتِهِ لِمَنْ مَاتَ بِمكَّةَ)
          3936- ساق فيه حديث سعدِ بنِ مالكٍ ☺، وقال: (إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ)، (وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ وَمُوسَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ: إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ) وقد سلف بطوله.
          ومعنى: (أَشْفَيْتُ مِنْهُ عَلَى المَوْتِ) قاربتُهُ في ظاهر الحال لاشتداد مرضه.
          وقوله: (الثُّلُثُ يَا سَعْدُ) كذا هنا ابتداءٌ مِن رسول الله صلعم، وفي غيرِه أنَّ سعدًا قاله، وهو دالٌّ لمن أجاز الثُلُث، وقد أسلفنا رواية: (وَرَثَتَك) و((ذُرِّيَتَكَ))، والصَّحيح كما قال ابن التِّين منهما: (وَرَثَتَكَ)، لأنَّ الذُّرِّية: الأولادُ وأولادُهُم، وهو قد قال: (لَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي)، وما ذكره لا يلزم منه ذلك لأنَّها ذرُيِّةٌ وورثةٌ، والذُّرِّيَّةُ أصلها عند بعض النُّحاة فُعْلِيَّة مِن الذَّرِّ، يريد لأنَّ لامَ الفعل وعينَه راء، لأنَّ الله أخرج الخلق مِن صلب آدم كالذَّرِّ، وقيل أصلُها ذرُّورة على وزن فعلولة، يريد أنَّ لامَ الفعل همزةٌ، مِن ذَرَأَ الله الخَلْقَ، فأُبْدِلت الهمزة ياءً فصارت ذُرُّويَة، ثمَّ أُدْغِمت الواو في الياء فقيل ذُرِّيَّةٌ.
          وقوله: (عَالَةً) أي فقراء، واختُلِف هل كان ذلك في حَجَّةِ الوداع كما في هذا الحديث؟ وهل هاجر سعدُ بن خَوْلَةَ ☺؟ وهل قوله: (لَكِنِ البَائِسُ) مِن قولِ رسولِ الله صلعم أو مِن قول الراوي؟ كما سلف هناك.
          وقوله: (لَسْتَ بِنَافِقٍ نَفَقَةً) كذا وقع، والصَّواب كما قال ابن التِّين وغيره: ليس بمنفقٍ؛ لأنَّه مِن أَنْفَقَ.
          قال الدَّاوديُّ: سعدٌ ☺ شهد بدرًا، فإن كان المحفوظ أنَّه مات بمكَّةَ ففيه دِلالةٌ أنَّه أقام بمكَّةَ بعد الصَدَر مِن حَجَّتِهِ ثمَّ مات، ولو أقام مِن عُذْرٍ لم يُقْبل ذلك فيه؛ لأنَّه قال حين حاضت صَفِيَّةُ: ((أَحَابِسَتُنَا هِي؟))، وإنَّما كره سعدٌ المقامَ بعدهم وإن كان له عُذْرٌ، لِمَا يناله مِن صحبة رسول الله صلعم إلى المدينة مِن الفضل. قال: وإن كان المحفوظ كسر الهمزة، ففيه دليلٌ أنَّه قيل له: إنَّهُ يريد التخلُّف بعد الصَدَر، فخشي عليه أنَّه يدركُه أجلُهُ بمكَّةَ بعد تخلُّفِهِ بعد الصَدَر.