التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب مناقب أبي طلحة

          ░18▒ (بَابُ مَنَاقِبِ أَبِي طَلْحَةَ ☺)
          3811- ذكر فيه حديثَ أَنَسٍ ☺: (لَمَّا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ النَّبِيِّ صلعم وَأَبُو طَلْحَةَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صلعم مُجَوِّبٌ عَلَيْهِ بِحَجَفَةٍ لَهُ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ رَجُلًا رَامِيًا شَدِيْدَ القِدِّ كَسَرَ يَوْمَئِذٍ قَوْسَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، وَكَانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ مَعَهُ الجَعْبَةُ مِنَ النَّبْلِ فَيَقُولُ: انْشُرْهَا لِأَبِي طَلْحَةَ، فَأَشْرَفَ النَّبِيُّ صلعم يَنْظُرُ إِلَى القَوْمِ، فَيَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، لاَ تُشْرِفْ يُصِيبُكَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ القَوْمِ، نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ ☻ وَأُمَّ سُلَيْمٍ وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ، أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا، تَنْقُزَانِ القِرَبَ...) الحديث.
          سلف مختصرًا في الجهاد في باب: غزو النِّساء مع الرجال [خ¦2880]، وفي آخره هنا: (وَلَقَدْ وَقَعَ السَّيْفُ مِنْ يَدَيْ أَبِي طَلْحَةَ إِمَّا مَرَّتَيْنِ وَإِمَّا ثَلاَثًا)، ويأتي في أُحُدٍ أيضًا [خ¦4064].
          وأَبُو طَلْحَةَ اسمُه زيدُ بن سَهْلِ بن الأسودِ بن حَرَامٍ الأنصاريُّ النَّقِيبُ، قال له ◙ حين تصدَّقَ بحائطٍ: ((بَخٍ، ذَلِكَ مَالٌ رَابحٌ)).
          وقوله: (أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا) هو جمع خدمة وهي الخَلْخَال، وقال ابن فارسٍ: جمعها خِدَام، وقال الهَرَوِيُّ: يُقَال: الخَدَمَةُ سَيْرٌ غليظٌ، مثل: الحَلَقةِ تُشَدُّ في رُسْغِ البعير ثمَّ يُشَدُّ إليه سرائح نعْلِها، وسُمِّي الخَلْخَالُ خَدَمَةً لذلك، ومعنى مُجَوِّبٌ بِحَجَفَةٍ: مترَّسٌ عليه يقيه بالحَجَفَةِ وهي التُّرْس، والجَوْبُ التُّرْسُ.
          وقوله: (وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ رَجُلًا رَامِيًا شَدِيْدَ الْقِدِّ كَسَرَ يَوْمَئِذٍ قَوْسَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا) ضبط الدِّمياطيُّ قوله (شَدِيْدًا) بالنَّصب، وأمَّا الخطَّابيُّ وتبعه ابن التِّين فقالا: قوله: (شَدِيْدَ القِدِّ) أي النَّزْع، ولذلك أَتْبَعَه بقوله: (كَسَرَ قَوْسَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا)، قال الخطَّابيُّ: وتحتمل الرواية أن تكون بكسر القاف يريدُ وترَ القوس، و(القِدُّ) سَيْرٌ يُعَدُّ من جلْدٍ غير مَدْبُوغٍ.
          وقوله: (يُصِيبُكَ سَهْمٌ) قال القاضي عِيَاضُ: كذا لهم وهو الصواب، وعند الأَصِيليِّ: <يُصِبْكَ> وهو خطأٌ وقلْبٌ للمعنى. ومعنى: (تَنْقُزَانِ: / تثبانِ بها. يُقَال: نَقَزَ الظَّبيُ إذ وثبَ في عدْوِهِ، والمرأة تُنَفِّزُ وَلَدَهَا أي: تُرَقِّصُه، فأراد أنهما يُحْمَلان بنشاطٍ)، وقال الخطَّابيُّ: إنَّما هو تزفران أي تحملان قال: فأما النَّقْزُ فهو الوثْبُ البعيدُ. وقال الدَّاوديُّ: (تُنْقِزَانِ) أي تَنْقُلَان، قال: ورُوِيَ كذلك، والمتونُ الظُّهُور.
          وفيه جواز نظر الفَجْأة لأنَّها لا تُملك، ووقوع السَّيف مِن يده كان للنُّعَاسِ الذي أصابَهم، قال تعالى: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا} [آل عمران:154] الآية، وفيه أنَّ الشجاعَ يُؤخذ له سلاحُ غيره، لقوله: (انْشُرْهاَ لِأَبِي طَلْحَةَ).