التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب مبعث النبي

          ░28▒ (بَابُ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صلعم: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ المُطَلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَي بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فَهْرٍ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ).
          وهذا النَّسب سقناه في أوَّل هذا الشرح وتكلَّمنا على ألفاظه وضبطه هناك فسارع إليه، وأنَّه لا يصحُّ بعد هذا إلى آدمَ طريقٌ، وذكرنا أمثلَ ما فيه وأشهرَه مبسوطًا، وأصحابه العشرة يجتمعون في عبد مَنَافٍ، وعليُّ ابن عَمِّهِ، والزُّبَيْر في قُصيٍّ، وطَلْحَةُ في مُرَّةَ، وعُمَرُ وسعيدٌ في كَعْبٍ، وعُثْمَانُ في عبد مَنَافٍ، والزُّبَيْر في قُصَيٍّ، وسعدٌ في كلابٍ، وكذا عبد الرَّحمنُ وأبو عُبَيدةَ في فِهْرٍ.
          أمُّه: آمنةُ بنتُ وَهْبٍ بن عبد مَنَافٍ بن زُهْرةَ بن كِلابِ بن مُرَّةَ، وذكر الزُّبَيْر بن بكَّارٍ وغيره أنَّ كِنَانَة بن خُزَيْمَةَ تزوَّجَ مُرَّةَ بنت مُرٍّ فخلَفَ عليها بعد أبيه خُزَيْمَةُ على ما كانت العرب تفعله في الجاهليَّة، إذا مات الرجل خَلَفَ على زوجتهِ بعدَهُ أكبرُ بنيه من غيرها، وأفاد الجاحظ في كتاب «الأصنام»: أنَّها مُرَّةُ بنتُ أُدِّ بن طَابِخةَ ولم تلد لكِنَانَة ذكرًا ولا أنثى، ولكن كانت ابنةُ أخيها وهي مُرَّةُ بنت مُرِّ بن أُدِّ بن طَابِخَة عند كِنَانَة بن خُزَيْمَةَ، فولدت له النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ فغلطَ في ذلك مَن غلطَ لاتِّفاق الاسمين / وتقارب النَّسبين، فاستفد ذلك.
          3851- ثمَّ ساق البخاريُّ حديث عِكْرِمَةَ: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ☻: أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلعم وَهُو ابْنُ أَرْبَعِينَ، فَمَكَثَ بِمَكَةَ ثَلَاثَة عَشْرَ سَنَةً، ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ، فَهَاجَرَ إِلَى المَدِيْنَةِ، فَمَكَثَ بِهَا عَشْرَ سِنينَ، ثُمَّ تُوفِّيَ صلعم).
          أمَّا قَدْر إقامته بالمدينة فلم يُخْتَلفْ فيه أنَّها عشرٌ، وإنما اخْتُلِفَ في عمره عندما أنزل عليه هل هو أربعون أو اثنان وأربعون؟ وهل أقام بمكَّةَ عشرًا أو ثلاث عشرة؟ قال جماعةٌ مِن العلماء: وابن عبَّاسٍ أخذ ما ذكره من قول صِرمةَ:
ثَوَى في قُرَيْشٍ بِضْعَةَ عَشْرَة حجَّةً                     يُذَكِّرُ لَو يَلْقَى صَدِيقًا مُوَاتِيًا
          وفي حديث أبي سَلَمَةَ عنه وعن عائِشَةَ عند البخاريِّ [خ¦4464] [خ¦4465] قالا: لبثَ رسولُ الله صلعم بمكَّةَ عشر سنين ينزل عليه، وهي رواية جابرٍ وأنسٍ، وجمع ابن عبد البرِّ بين الروايتين بأنَّهُ ◙ لَمَّا أُوْحِي إليه أسرَّ أمرَه ثلاث سنين مِن مبعثه ثمَّ أمر بإظهاره، وقيل إنَّه ابْتُدِئ بالرؤية الصَّادقة ستَّةَ أشهرٍ، وأنَّ الوحي فترَ عنه سنتان ونصفٍ، فصار ثلاث سنين، فمن عدَّ مِن المبعث قال: ثلاث عشرة، ومَن عدَّ مِن حين حَمِيَ الوحي قال: عشرًا.
          وقال الشَّعْبيُّ: إنَّ إسْرَافِيلَ وُكِّل به ثلاثَ سنين مِن غير نزول قرآنٍ على لسانه، فمن عدَّ مِن حين نزول جبريل قال: عشر، وفي رواية عَمَّارِ بن أبي عمَّارٍ عن ابن عبَّاسٍ عند ابن سعدٍ: أقام رسولُ الله صلعم بمكَّةَ خمس عشرة سنة، سبعَ سنين يرى الضَّوءَ ويسمع الصوت، وثمان سنين يُوحَى إليه، وكذا ذكره الحسن، وعن ابن جُبيرٍ عن ابن عبَّاسٍ: نزلَ عليه القرآن بمكَّةَ عشرًا أو خمسًا _يعني سنين_ أو أكثر، وعن الحسن أيضًا: أُنزل عليه ثمان سنين بمكَّةَ قبل الهجرة وعشر سنين بالمدينة، وراجع ما ذكرته في الحديث الرابع من باب: صِفة النَّبيِّ صلعم تجد ما يشفي الغَلِيل [خ¦3542].