التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب وفود الأنصار إلى النبي بمكة وبيعة العقبة

          ░43▒ (بَابُ وُفُودِ الأَنْصَارِ إِلَى النَّبِيِّ صلعم بِمَكَةَ، وَبَيْعَةُ العَقَبَةِ).
          ليلة العَقَبةِ كانت بمكَّةَ، كان صلعم يعْرِض نفسَه على قبائل العرب في الموسم أن يخرجَ إليهم فيأبون عليه، فلمَّا كان قبلَ ليلة العَقَبة بعام أتى مكَّةَ اثنا عشر رجلًا مِن الأنصار فعرضَ عليهم نفسَه فأسلموا، وبايعوه وتلقَّنُوا شيئًا مِن القرآن ورجعوا إلى المدينة فأخبروهم وقرؤوا عليهم، فأسلمَ أناسٌ وهاجر بعضُ أصحاب رسول الله صلعم إليها، فأقرؤوهم القرآنَ فكثُر بها الإسلام، ثمَّ أتى منهم مِن العام الثاني سبعون رجلًا، فَوَاعَدَهُم ◙ أن يأتيهم العَقَبة ليلًا، فأتاهم ومعه العبَّاسُ، وقد كان قُتل مثلاؤهم بيوم بُعاث ليوطِّئ الله لرسوله ما أراد مِن نصرتهم، فقال: ليتكلَّم مُتكلِّمُكم ولا يُطِلِ الخطبةَ فإنَّ علينا مِن المشركين عينًا، وإنَّهُم إن يَظْهُروا عليكم يَفْضَحُوكم، بعد أن خطب خُطبةً لم يُسمَعَ بمثلها، فقام كبيرهم ومتكلِّمُهم البَرَاءُ بن مَعْرُورٍ، وهو أوَّلُ مَن صلَّى / إلى الكعبة وتوجَّه إليها حيًّا وميِّتًا، فقال: أَخْبِرنا يا رسول الله ما تريد مِنَّا وما لنا إذا وَفَّينا؟ فقال: ((أنْ تَنْصُروني وتمنعوني ممَّن أرادَنِي))، قالوا: فذاكَ لك، والله لنمنَّعك مما نمنعُ منه أزرنا _يعنون النساء_ فمَا لنا إذا فعلنا؟ قال: ((لَكُمُ الجَنَّة))، فقال أبو أُمامة أسعدُ بن زُرَارة وكان أصغرَ القوم إلَّا جابرًا، فقال: يا قومُ قد علمتم أنَّكم تدخلونَ في حرب الأحمر والأسود، فإن كنتم إذا أصابتكم الكلُوُم خَدَعْتم رسولَ الله صلعم فدعُوه مِن الآن، فهو أعذر لكم، فقالوا: دعنا عنك، والله لنمنعنَّه ممَّا نمنعُ منه أزرنا، فواعدَهم أنْ يأتيهم إذا أُذِنَ له، وقالوا: إنَّك إن سرْتَ معنا وبيننا شيءٌ لم يتمكَّن لكَ ما تريد، فنحنُ نُصلِح الأمر بيننا وبينك، وتأتي متمكِّنًا.
          والبراءُ بن مَعْرُورٍ أحدُ النُّقَباء، وهم اثنا عشر: سعدُ بن معاذٍ، وسعدُ بن عُبَادَةَ، وسعدُ بن الرَّبيع، وأسعدُ بن زُرَارةَ، وعبدُ الله بن رَوَاحة، وعبدُ الله بن عَمْرٍو والدُ جابرِ بن عبدِ الله، وعَمْرُو بن الجَمُوحِ، وأبو الهيثم بن التَّيْهَان، وأُسَيدُ بن الحُضَير، وعُبَادةُ بن الصَّامِت، ورافعُ بن مالكٍ، أو مالكُ بن رافعٍ.
          وذكر ابنُ سعدٍ عن أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ وغيرِه: لَمَّا أرادَ اللهُ إظهارَ دينِه وإنجاز ما وعده، ساقه إلى هذا الحيِّ مِن الأنصار، فانتهى إلى نفرٍ منهم وهم يحلِقون رؤوسَهم فدعاهم إلى الله فاستجابوا لله ولرسوله، فكان أوَّلَ مَن أسلم أسعدُ بن زُرَارةَ، وذَكْوَانُ بنَ عَبْدِ القيس، كانا خرجا إلى مكَّةَ يتنافران إلى عُتْبَةَ بن رَبِيْعَة، فقال لهما: قد شغلَنا هذا المُصلَّى عن كل شيءٍ زعم أنَّه نبيٌّ، وكان أسعدُ وأبو الهيثم بن التَّيْهَان يتكلَّمان بالتوحيد بيَثرِبَ، فقال ذَكْوَان لأسعدٍ حين سمعَ كلامَ عُتْبَة: دونَك هذا دينُك، فقاما إلى رسول الله صلعم فأسلما، ويُقَال: إنَّ رافعَ بنَ مالك الزُّرَقِيَّ ومُعاذَ بن عَفْرَاءَ خرجا إلى مكَّةَ معتمرين، فذُكر لهما أمرُ رسول الله صلعم فأتياه فأسلما، فكانا أوَّلَ مَن أسلم، ويُقَال: إنَّ رسولَ الله صلعم خرجَ مِن مكَّةَ فمَرَّ على أهلِ يثربَ نزول بمنًى ثمانيةُ نفرٍ، منهم مِن بني النَّجَّار: مُعَاذُ بن عَفْرَاءُ وأسعدُ بن زُرَارةَ، ومِن بني زُرَيقٍ: رافِعُ بن مالكٍ وذَكْوَانُ بنُ عبد القيس، ومِن بني سالمٍ: عُبَادة ويزيدُ بن ثَعْلَبَة، ومِن بني عبد الأَشْهَلِ أبو الهيثم ومِن بني عَمْرو عوفٍ عُوَيْم بن ساعِدةَ، فعرضَ عليهم الإسلامَ فأسلموا، وقال: ((تَمنعونَ ظَهْري حتَّى أُبَلِّغَ رسالاتِ رَبِّي)) فقالوا: يا رسول الله، إنَّما كانت بُعَاثُ عامَ الأوَّل، فإن تَقْدُم ونحنُ كذا لا يكون لنا عليك اجتماع، فدعنا حتَّى نرجعَ إلى عشائرنا لعلَّ الله يُصْلح ذات بيننا، وموعدك العامُ المقبل، ويُقَال: خرج رسول الله صلعم في الموسم الذي لقي فيه الستَّةَ النفرٍ مِن الأنصار، ووقف عليهم وعرض عليهم الإسلام، فأسلموا وبايعوا على بيعة النِّساء، ولم يَعْرِضْ يومئذٍ إلَّا الإسلام. وهم: أسعدُ، وعوفٌ، ورافعُ بن مالكٍ، وقَطَبَةُ بن عامرِ بن حَدِيدة، وعُقْبَة بن عامرِ بن نابىءٍ، وجابرُ بن عبد الله بن رِئَابٍ، لم يكن قبلهم أحدٌ.
          قال مُحَمَّد بن عُمَرَ: وهذا أثبتُ ما سمعنا فيهم، وهو المجتمَعُ عليه. ثمَّ قدموا المدينة فلم يبقَ دارٌ مِن دُور الأنصار إلَّا فيها ذِكرُ رسول الله صلعم كثيرًا.
          وعن عُبَادة بن الصَّامِتِ: لَمَّا كان العام المقبل لقِيَ رسول الله صلعم اثني عشر رجلًا، وهي العَقَبةُ الأولى، فأسلموا وبايعوا على بيعة النِّساء ولم يُفْرَضْ يومئذٍ القتال، ثمَّ انصرفوا إلى المدينة فأظهر الله الإسلامَ، فلمَّا كان الحجُّ خرجوا وهم سبعون رجلًا، يزيدون رجلًا أو رجلين، في خَمَرِ قومِهم، وهم خمس مائة، فلمَّا قدموا مكَّةَ وعدَهم مِنًى وسطَ أيام التَّشريق ليلة النَّفْرِ الأوَّلِ إذا هدأت الرِّجْلُ، أن يوافوه في الشِّعب الأيمن إذا انحدروا من منًى بأسفل العَقَبة حيث المسجد اليوم، وأمرهم أن لا ينبِّهُوا نائمًا ولا ينتظروا غائبًا، فكان أوَّلَ مَن ضرب على يدِه ◙ البراءُ بن مَعْرُورٍ، ويُقَال أبو الهيثم بن التَّيْهان، ويُقَال: أسعدُ بن زُرَارةَ.