التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ذكر جرير بن عبد الله البجلي

          ░21▒ (بَابُ ذِكْرِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيِّ ☺)
          3822- ذكر فيه حديثَ قَيْسٍ عن جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ☺ قال: (مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللهِ صلعم مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلَا رَآنِي إِلَّا ضَحِكَ).
          3823- وعنه: (كَانَ فِي الجَاهِلِيَّةِ بَيْتٌ يُقَالُ لَهُ: ذُو الخَلَصَةِ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: الكَعْبَةُ اليَمَانِيَةُ، وَالْكَعْبَةُ الشَّأْمِيَّةُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلعم: هَلْ أَنْتَ مُرِيحِي مِنْ ذِي الخَلَصِةِ؟. قَالَ: فَنَفَرتُ إِلَيهِ فِي مِائَةٍ وخَمْسِينَ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ، قَالَ: فَكَسَرْنَا وَقَتَلْنَا مَنْ وَجَدْنَا عِنْدَهُ، فَأَتَيْنَاهُ فَأَخْبَرْنَاهُ، فَدَعَا لَنَا وَلأَحْمَسَ).
          الشرح: جَرِيرٌ كنيتُه أبو عَمْرٍو جريرُ بن عبدِ اللهِ بن جابرٍ، وهو الشَّلِيل _بشينٍ معجمةٍ_ ابنُ مالكِ بن نَصْرِ بن ثعلبَةَ بن جُشَمَ بن عوفِ بن خُزَيْمَةَ بن مالكِ بن سعدِ بن نَذِيرِ بن قَسَر _بفتح القاف_ بن عَبْقَر بن أَنْمارِ بن إِرَاشِ _بهمزةٍ مكسورةٍ_ بن عَمْرو بن الغَوْثِ بن نَبْتِ بن زيدِ بن كَهْلانَ كذا ساقَه الكلبيُّ في جماعة، وقال ابن إسحاقَ ومُصَعبُ: أنمارُ بن نزارِ بن مَعدِّ بن عدنانَ نُسبوا إلى أُمِّهم بَجِيلةَ، واختلفوا في بَجِيلةَ فمنهم مَن جعله مِن اليمن وهو الأكثر، وقيل: مِن نزارِ بن مَعدِّ كما نقلناه عن ابن إسحاقَ ومُصْعَبٍ، وكان سيِّدًا مُطاعًا مليحًا طُوَالا بديع الجمال، صحيحَ الإسلام كبير القَدْر، قال صلعم: ((عَلَى وجهِهِ مسحَةُ مَلَكٍ))، وعن عُمَرَ ☺ قال: إنَّهُ يُوسُف هذه الأُمَّةِ. ولَمَّا دخل على رسول الله صلعم أكرمَه وبسطَ له ردَاءَهُ، وقال: ((إذا أتاكم كريمُ قومٍ فأكرموه))، رواه الطَّبرانيُّ في «الأوسط» مِن حديث قيسٍ عنه قال: لَمَّا بُعِثَ رسول الله صلعم أتيته فقال لي: ((يا جريُر، ما جاءَ بك؟)) قلتُ: لأُسلم. وسلفَ في الجهاد عنه أيضًا [خ¦3035]: ما حجبَني رسول الله صلعم منذ أسلمتُ، ولا رآني إلَّا تبسَّمَ في وجهي... الحديث.
          أسلم قبل وفاة رسول الله صلعم في رمضانَ سنة عشرٍ، ووفد عليه قبلَ موتِه بأربعين يومًا فيما قيل، فأرسله إلى ذي الخَلَصَةِ كما سلف، وقال: يا رسولَ الله، إنِّي لا أَثبُتُ على الخيل، فصكَّهُ في صدره، وقال: ((اللهُمَّ اجعلْهُ هاديًا مهديًّا)) وقد سلف في الجهاد [خ¦3036]، ويأتي في المغازي [خ¦4356]، وعند أبي زُرعة _حفيده_وغيرِه: سكن الكوفةَ، ثمَّ قَرْقِيسَاءَ فمات بها بعد الخمسين، وروى الطَّبرانيُّ مِن حديث مُوسى بنِ عُبَيْدَةَ عن مُحَمَّد بن إبراهيمَ عنه قال: بعثني النَّبيُّ صلعم في أثر العُرنيِّينَ، يعني سنة ستٍ مِن الهجرة، وروى ابن قانعٍ في «مُعجمه» مِن حديث شَرِيكٍ، عن أبي إسْحَاقَ، عن الشَّعْبيِّ عنه قال: لَمَّا مات النَّجاشيُّ _سنة تسعٍ في رجب_ قال ◙: ((إنَّ أَخاكُم النَّجاشيَّ هلكَ فاستغفروا له))، وفي النَّسائيِّ أنَّه ◙ قال في حَجَّة الوداع: ((اسْتنصتَ لِيَ النَّاس))، ولابن سعدٍ في «طبقاته»: كان ذو الخَلَصَةِ بيتًا لخَثْعَم، قال جريرُ: فنفرتُ / في تسعين ومائةِ فارسٍ مِن أَحْمَسَ، وهو خلاف رواية البخاريِّ السالفة، وفي البخاريِّ [خ¦3076]: فباركَ على خيلِ أَحْمَسَ ورجالِها خمسَ مرَّاتٍ. وبعث جريرٌ أبا أرطأةَ بشيرًا، قال السُّهَيْلِيُّ: وكان مِن مقبلي الظعن، وكانت نعلُهُ طُولها ذِراعٌ، وقال فيه عُمَرُ: إنَّ جريرا يخطب إليكم ابنتكم وهو سيِّدٌ مِن أهل المشرق، وسيأتي بعثُه إلى اليمن [خ¦4359].
          فَصْلٌ: ذو الخَلَصَةِ بيتٌ لخَثْعَمٍ كما سلف، والخَلَصَة في اللُّغة: نبتٌ طيِّبٌ يتعلَّقُ بالشجر، له حبٌّ كعنب الثَّعْلَبِ، وجمع الخَلَصَة خَلَص ذكره أبو حنيفةَ، وزعم المبرِّدُ أنَّ أبا عُبَيدةَ قال: موضعه اليوم مسجد جامعٌ لبلدةٍ يُقال لها: العَبَلات مِن أرض خَثْعَمٍ، وكان بَعْث جريرٍ إليه قبل موت النَّبيِّ صلعم بشهرين أو نحوهما. وادعى السُّهَيْلِيُّ أنَّه ليس في البخاريِّ: و(الْكَعْبَةُ الشَّأمِيَّةُ) وإنَّما عند مسلمٍ، وليس كذلك في بابه في البخاريِّ كما سلف، ثمَّ قَالَ: وهذا مُشكِلٌ، ومعناه كان يُقَال له: الكعبة اليمانيَّةُ، والكعبة الشاميَّةُ بالبيت الحرام، قال: وزيادة (لَهُ) في الحديث سهوٌ، وبإسقاطه يصحُّ المعنى كما قاله بعض النحويِّين، وليس عندي بسهوٍ، وإنَّما معناه كان يُقَال له: أي يُقَال مِن أجله الكعبة الشاميَّةُ للكعبة، وهو يريد الكعبة اليمانيَّة، و(لَهُ) يعني لأجله لا يُنكر في العربيَّةِ، وهو بضمِّ الخاء المعجمة واللام، وعند ابن إسحاقَ بفتحهما في قول ابن هِشَامٍ، وهو صنمٌ سيُعبد في آخر الزمان؛ ثبت في الحديث: ((لا تقومُ السَّاعةُ حتَّى تَصْطَفِق أَلْيَاتُ نساءِ دَوْسٍ وخَثْعَمٍ حولَ ذي الخَلَصَة)).