التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب مناقب أبي بن كعب

          ░16▒ (بَابُ مَنَاقِبِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ☺)
          3808- ذكر فيه حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو السالف: (خُذُوا القُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ) وبدأ بابن مسعودٍ، قال عبدُ اللهِ وذُكِرَ عندَه ابنُ مسعودٍ فقال: (ذَاكَ رَجُلٌ لَا أَزَالُ أُحِبُّهُ...) وذكر الحديث.
          3809- وحديثَ أَنَسٍ ☺ قَالَ: (قَالَ النَّبِيُّ صلعم لأُبَيٍّ: إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [البيِّنة:1] قَالَ: وَسَّمَانِي؟ قَالَ: نَعَمْ، فَبَكَى).
          كُنيته: أبو المنذر، وجدُّهُ قيسٌ، وهو أقرأُ الأُمَّةِ وسيِّدُ القُرَّاءِ، وكان مِن الفقهاء أيضًا، في موته أقوالٌ قيل: مات في خلافة عُمَرَ ☺ فحمل سريرَه بين العمودين، وقال: مات اليومَ سيِّدُ المسلمين، وقيل: مات في خلافة عُثْمَانَ.
          وفي روايةٍ: فقرأ: {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس:58] وللحاكم وقال: صحيحُ الإسناد: عن أُبَيٍّ أنَّ النَّبيَّ صلعم قرأ عليه: {لَمْ يَكُنِ} [البينة:1] وقرأ فيها: {إن الدِّين عند الله الحنيفيَّةُ لا اليهوديَّةُ ولا النَّصرانيَّةُ ولا المجوسيَّةُ مَن يعمل خير فلن يُكفره}. ولأحمدَ مِن حديث عليِّ بن زيدٍ عن عَمَّارِ بن أبي عمَّارٍ عن أبي حيَّةَ: لَمَّا نزلت: {لَمْ يَكُنِ} [البينة:1] قال جِبريلُ لرسول الله صلعم: ((إنَّ ربَّكَ يأمرُك أنْ تُقْرِئَهَا أُبَيًّا)) فقال له: ((إنَّ اللهَ أَمَرنِي أنْ أُقرِئَكَ هذه السُّورة))، فبكى، وقال: يا رسول الله صلعم، وذُكِرتُ ثمَّة؟ قال: ((نعم)). ورواه عَبْدُ بن حُمَيدٍ أيضًا مِن حديث مجاهدٍ به.
          فوائد: الأولى: قال أبو عُبَيدٍ بن سلَّامٍ: إنَّه ◙ إنَّما أراد بذلك العرض على أُبِيٍّ؛ ليتعلَّم أُبَيٌّ منه القراءةَ ويستثبت فيها، وليكون عرضُ القرآن سُنَّةً، وليس هذا على أن يستذكر منه رسول الله صلعم شيئًا بذلك العَرْض، وقد قال ابن التِّين: قراءته عليه ليُثبِّت أُبَيُّ ويؤدِّي إلى غيره؛ ليس أنَّهُ ◙ تثبَّت منه، وقال: مَن ظنَّ ذلك فهو جاهلٌ أو كافرٌ، وقال عُمَرُ ☺: عليٌّ أقضانا، وأُبَيٌّ أقرؤنا، وإنَّا لندعُ مِن قراءته لقوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} [البقرة:106]، إنْ كانَ لا يدعُ ما سمع مِن رسول الله صلعم إذا لم يسمع منه النَّسخ. وقال عِياضٌ: عُرِض عليه؛ لِيَسُنَّ عرضَ القرآن على حُفَّاظه البارعين فيه، ولِيَسُنَّ التَّواضع في أخذ الإنسان القرآن وغيره مِن العلوم الشرعيَّةِ مِن أهلها وإن كانوا دونَه / في الشهرة وغيرها، ولينبِّهَ الناسَ على فضيلة أُبَيٍّ؛ لأنَّا لا نعلمُ أحدًا شاركَه في ذلك.
          الثانية: وجه تخصيص هذه السُّورة ما تضمَّنتُهُ مِن ذكر الرِّسَالة والصُّحف والكتب، وقيل: لاحتوائها على التوحيد والرِّسالة والقرآن والصَّلاة والزكاة والمعاد وغير ذلك مِن وجازتها، وقيل: لأنَّ فيها: {رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً} [البينة:2]، وذكرها القُرْطُبيُّ.
          الثالثة: معنى (وَسَمَّانِي لَكَ؟) أي نصَّ على تعييني أو قال: اقرأْ على واحدٍ مِن أصحابِكَ؟ قال: بل سمَّاكَ، فتزايدت النعمة وأراد أُبَيٌّ أن يحقِّق ذلك.
          في روايةٍ: ((آللهُ سمَّانِي لَكَ؟!)) بهمزة الاستفهام على التعجُّبِ منه إذ كان ذلك عنده مستبعدًا، لأنَّ تسمية الله تعالى له وتعيينَه ليقرأَ عليه رسولُ الله صلعم تشريفٌ عظيمٌ، ولذلك بكى مِن شدَّةِ الفرح والسرور، وقيل بكى خوفَ التقصير عن شكر هذه النِّعمة العظيمة.