التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب

          ░48▒ (بَابٌ)
          عندَ أَبيِ الهَيْثَمِ: <مِنْ أَيْنَ أُرِّخَ التَّارِيخ>.
          3943- ذكر فيه حديث سَهْلِ بنِ سَعْدٍ ☺ قال: (مَا عَدُّوا مِنْ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صلعم وَلاَ مِنْ وَفَاتِهِ، مَا عَدُّوا إِلَّا مِنْ مَقْدَمِهِ المَدِينَةَ).
          هو كما قال، وهو قول الرُّواة جميعًا، ولم يكن على عهد رسول الله صلعم تأريخٌ، إنَّما رُفِعَ إلى عُمَرَ ☺ صَكٌّ فيه: محِلُّه شعبانَ، فقال: أيُّ شعبان؟ الذي نحن فيه، أو الماضي، أو الآتي؟ ضعُوا للناس شيئًا تعرفه، فقال قائل: ورَّخُوا تأريخ الفُرْس، فقيل: إنَّهُم كلَّما مات منهم ملكٌ ابتدؤوا التاريخ، ثمَّ قالوا: مِن مبعثه ◙، وقال بعضهم: مِن موته، فاتَّفَقُوا على أنَّ ورَّخُوا من مَقْدَمِهِ المدينة، ثم أرادوا أن يجعلوا رمضانَ أوَّل السَّنَةِ، ثم اتَّفَقُوا على المحرَّمِ.
          وذكر الجهشياريُّ في كتاب «الوُزَرَاءِ والكُتَّابِ»: أنَّ أبا موسى الأَشْعَرِيَّ ☺ كتب إلى عُمَرَ ☺: إنَّهُ يأتينا منك كُتُبٌ ليس لها تاريخٌ، فجمع عُمَرُ ☺ النَّاسَ للمشورة، قال بعضُهم: أرِّخْ بالمبعث، وقال آخرون: بالهجرة، فقال عمر: بالهجرة، فإنَّ الهجرةَ فرقٌ بين الحقِّ والباطل، وكان ذلك سنة سبع عشرة مِن الهجرة، فلمَّا أجمعوا عليه، قالوا: بأيِّ شهرٍ نبدأُ؟ قال بعضهم: برمضانَ فقال عمر ☺: بل مِن المحرَّمِ؛ لأنَّه منصَرَفُ النَّاس مِن حَجِّهم، وهو شهرٌ حرامٌ، فأجمعوا عليه، قال: وقد رُوِي في خبرٍ آخرَ أنَّ سيِّدنا رسولَ الله صلعم سنة أربع عشرة مِن حين نُبِّئَ أمَرَ بالتأريخ، قال: والأوَّل أثبتُ.
          وفي «تاريخ ابن أبي شَيْبَةَ» بإسنادٍ جيِّدٍ عن عُبَيدِ بن عُمَيرٍ قال: إنَّ المحرَّم رأس السَّنة تُكتب فيه الكُتُب، وفيه يُؤرَّخ التاريخ، ويُصرفُ فيه الرِّزْقُ، وفي كتاب «التعريف بصحيح التاريخ»: أوَّلُ مَن أرَّخَ يَعْلَى بن أُمَيَّة وكان باليمن، وقيل: بل أُرِّخ بوفاة رسول الله صلعم، وفي «أوائل» أبي عَرُوبةَ الحَرَّانيِّ مِن حديث مَيْمُونِ بنِ مِهْرَانَ قال: رُفِع إلى عُمَرَ ☺ صَكٌّ محلُّهُ شعبانُ... وذكرَ ما أسلفناه أوَّلًا، وفيه: فأجمع رأيُهم على الهجرة.
          3935- ثمَّ ذكر البخاريُّ ☼ حديثَ يزيدَ بن زُرَيْعٍ: (حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عن الزُّهريِّ عن عُرْوَةَ عن عائِشَةَ ♦: فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَينِ، ثُمَّ هَاجَرَ النَّبيُّ صلعم ففُرِضَتْ أَرْبَعًا، وَتُرِكَتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى الأُوْلَى. تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ).
          وهذا الحديث سلف في قَصْر الصَّلاة [خ¦1090] مِن حديث سُفْيَان عن الزُّهريِّ، وروى أبو بكرِ بن نَجِيحٍ مِن حديث سِمَاكٍ عن عَوْنِ بن أبي جُحَيْفَةَ عن أبيه ☺: أنَّه ◙ صلَّى بمكَّةَ سجدتين.
          ومرادُها الرُّباعيَّةُ لا الثلاثيَّةُ ولهذا قالت: (وَتُرِكَتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى الأُوْلَى) تعني غيرَ المغرب، وأُتِمَّت بالمدينة، وقال غيرها: فُرِضت الصَّلاة على هيئتها اليوم، وقد سلف ذلك. /