التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ذكر الجن وقول الله تعالى: {قل أوحى إلي أنه استمع نفر من}

          ░32▒ (بَابُ ذِكْرِ الجِنِّ، وَقَوْلِ الله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} [الجن:1])
          3859- ذكر فيه حديثَ مَعْنِ بن عبد الرَّحمن، عن أبيه قَالَ: (سَأَلْتُ مَسْرُوقًا مَنْ آذَنَ النَّبِيَّ صلعم بِالْجِنِّ لَيْلَةَ اسْتَمَعُوا القُرْآنَ؟ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُوكَ، يَعْنِي عَبْدَ اللهِ: أَنَّهُ آذَنَتْ بِهِمْ شَجَرَةٌ).
          3860- وحديثَ أَبِي هُرَيْرَةَ: (أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلعم إِدَاوَةً...) الحديث، سلف في الطَّهارة [خ¦155]، وزاد هنا: (حَتَّى إِذَا فَرَغَ مَشَيْتُ فَقُلْتُ: مَا بَالُ العَظْمِ وَالرَّوْثَةِ؟ قَالَ: هُمَا مِنْ طَعَامِ الجِنِّ، وَإِنَّهُ أَتَانِي وَفْدُ جِنِّ نَصِيبِينَ، ونِعْمَ الجِنُّ، فَسَأَلُونِي الزَّادَ، فَدَعَوْتُ اللهَ لَهُمْ أَنْ لاَ يَمُرُّوا بِعَظْمٍ وَلاَ بِرَوْثَةٍ إِلَّا وَجَدُوا عَلَيْهَا طَعَامًا).
          قال ابن عبَّاسٍ في الآية: إنما أوحي إليه قول الجنِّ. والنَّفَر ما بين الثلاثة إلى العشرة، وقيل: مِن ثلاثةٍ إلى عشرة، ومَعْنٌ هذا هو ابنُ ابنِ مسعودٍ، وكذلك عن أبيه: يعني عبدَ الرَّحمن، قال: (حَدَّثَنِي أَبُوكَ) يعني عبدَ الله بن مسعودٍ، وآذن بالمدِّـ، أي أعلمَه.
          ومعنى (ابْغِنِي أَحْجَارًا) في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ: اطلبْ لي، وهو موصولٌ ثلاثيٌّ، يُقَال: بغيتُكَ الشيءَ: طلبْتُهُ لك، وأبغيتُكَه _هو رُباعيٌّ_ أُعِينك على طلبه، والأوَّل المراد بالحديث.
          وفيه الدُّعاء لهم، و(الوَفْد) القوم يقدمون.
          وقوله: (إِلَّا وَجَدُوا عَلَيْهَا طَعَامًا) أي حقيقة، وقد جاء: ((تَجدونَها أوفرَ ما كانَ لحمًا سَمينًا))، وقال ابن التِّين: يحتمل أن يجعل الله ذلك عليها، ويحتمل أن يُذيقَهم منها طعامًا، ويَقِلَّ ذلك أو يكثرَ، وفي مسلمٍ: أنَّ البعرَ زادُ دوابِّهم، وقال في الرَّوْثَةِ: ((هَذَا ركِسٌ))، وسلف في الطهارة [خ¦156].
          فائدة: أسلفنا في باب ذكر الجنِّ وثوابهم وعقابهم قريبًا [خ¦3296] أنَّهُم كانوا تسعةً فيما ذكره الزَّجَّاج، وقيل: سبعة، وكانوا مِن نَصِيبين كما في الحديث، وقيل: مِن اليمن، وكانوا يَهُودَ، وقيل: مشركين، وفي «تفسير عبَّاسٍ» أسماؤهم: سليط، وشاصر، وحاصر، وحيفا، ولما، ولحقم، والأَرْقَم، والأدرس، وسلف هناك غير ذلك.