التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم}

          ░35▒ (بَابُ: قَوْلِهِ _تعالى_: {يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ حِينَ الوَصيَّة اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} إلى قوله: {وَاللهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ} [المائدة:106-107]).
          2780- (وَقَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ محمَّد بْنِ أَبِي القَاسِمِ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَهْمٍ مَعَ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، وَعَدِيِّ بْنِ بَدَّاءٍ، فَمَاتَ السَّهْمِيُّ بِأَرْضٍ لَيْسَ فِيهَا مُسْلِمٌ، فَلَمَّا قَدِمَا بِتَرِكَتِهِ، فَقَدُوا جَامًا مِنْ فِضَّةٍ مُخَوَّصًا بِذَهَبٍ فَأَحْلَفَهُمَا رَسُولُ اللهِ _صلعم_ ثُمَّ وُجِدَ الجَامُ بِمَكَّةَ، فَقَالُوا: ابْتَعْنَاهُ مِنْ تَمِيمٍ وَعَدِيٍّ، فَقَامَ رَجُلانِ مِنْ أَوْلِيَائِهِ، فَحَلَفَا: لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا، وَإِنَّ الجَامَ لِصَاحِبِهِمْ، وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} [المائدة:106]).
          الشَّرح: عليُّ بن عبد الله هذا هو ابن المدينيِّ، ولعلَّه أخذه عنه مذاكرةً أو عَرْضًا، ويجوز أن يكون علَّقه لأنَّ محمَّد بن أبي القاسم ليس على شرطه، فإنَّ محمد بن بجيرٍ ذكر عنه أنَّه قال: لا أعرفه كما أشتهي، قيل له: فرواه غيره؟ قال: لا، قال: وكان ابن المدينيِّ يستحسن هذا الحديث، حديث محمَّد بن أبي القاسم قال: وقد روى عنه أبو أسامة إلَّا أنَّه غير مشهورٍ.
          قلتُ: وأخرجه أبو داود في القضاء عن الحسن بن عليٍّ، والتِّرمِذيُّ في التَّفسير عن سُفيان بن وكيعٍ كلاهما عن يحيى بن آدم، عن يحيى بن زكريَّا بن أبي زائدة به، قال التِّرمِذيُّ: حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
          ومحمَّد بن أبي القاسم: الطَّويل، وقيل فيه: الأسديُّ، قال فيه ابن المَدينيِّ: لا أعرفه، ونقل الحُميديُّ عن ابن المَدينيِّ أنَّه قال فيه: حديثٌ غريبٌ لا نَعرفه إلَّا بهذا الإسناد، وقال ابن طاهرٍ: ليس لمحمَّدٍ ولا لعبد الملك في «صحيح البُخاريِّ» غيرُ هذا الحديث الواحد، ورواه الواحديُّ مِنْ حديث الحارث بن شُرَيحٍ، عن يحيى بن زكريَّا به، وفيه: فأوصى لهما بتركته فدفعاها إلى أهله، وكتما جامًا، وفيه: ((فأحلفَهما ما كتما، ولا اطَّلعا وخلَّى سبيلهما)).
          وفي التِّرمِذيِّ مِنْ حديث ابن إسحاقَ عن أبي النَّضر عن باذانَ مولى أمِّ هانئٍ عن ابن عبَّاسٍ عن تميمٍ في هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} [المائدة:106] قال: برئ النَّاس بها غيري وغير عديٍّ وكانا نصرانيَّين يختلفان إلى الشَّام، وقدم عليهما مولًى لبني هاشم يُقال له: بُدَيل بن أبي مريم بتجارةٍ ومعه جامٌ مِنْ فضَّةٍ يريد به الملك وهو عُظْمُ تجارته، وفيه: فلما مات أخذنا الجامَ فبعناه بألف درهمٍ. قال تميمٌ: فلما أسلمتُ بعد قدوم رسول الله _صلعم_ المدينة تأثَّمت مِنْ ذلك، فأتيتُ أهله وأخبرتهم الخبر وأدَّيت لهم خمس مئة درهمٍ، فأمرهم أن يستحلفوه بما يعظم به على أهل دينه فحلف، فنزلت فقام عمرو بن العاص ورجلٌ آخر فحلفا، فنزعت الخمس مئةٍ مِنْ عَديٍّ، قال التِّرمِذيُّ: حديثٌ غريبٌ وليس إسنادُه بصحيحٍ، وأبو النَّضر هو عندي: محمَّد بن السَّائب الكلبيُّ، وقد تركه أهلُ الحديث.
          وقال محمَّدٌ: محمَّد بن السَّائب يُكنى أبا النَّضر ولا يُعرف لسالم بن أبي النَّضر المدنيِّ روايةٌ عن أبي صالحٍ مولى أمِّ هانئٍ، وفي «تفسير مقاتل»: خرج بُديل بن أبي مارِيَة _وفي كتاب النَّحَّاس: بُرَيد، وقال ابن ماكولا: بالزَّاي، وفي «الصَّحابة» للذَّهبي: بُدَيل بن مَاريَة كذا قال ابن مَنْدَهْ وأبو نُعيمٍ وإنَّما هو بُزَيل مولى العاصي بن وائل_ مسافرًا في البحر إلى النَّجاشيِّ، فمات بُديلٌ في السَّفينة وكان كتب وَصيَّته وجعلها في متاعه ثُمَّ دفعه إلى تميمٍ وصاحبه عديٍّ فأخذا منه مَا أعجبهما وَكان فيما أخذا إناءٌ مِنْ فضَّة فيه ثلاثُ مئة مثقالٍ منقوشٌ مموَّهٌ بالذَّهب، فلمَّا ردَّا بقيَّة المتاع إلى ورثته نظروا في الوَصيَّة ففقدوا بعض متاعه فكلَّموا تميمًا وعَديًّا فقالا: ما لنا به علمٌ.
          وفيه: فقام عمرو بن العاص والمطَّلبُ بن أبي وَدَاعةَ السَّهْميَّان فحلفا فاعترف تميمٌ بالخيانة، فقال له _◙_: ((وَيحَكَ يا تميمُ، أسلمْ يتجاوز الله عنك مَا كان في شِركك)) فأسلم وحسُن إسلامه ومات عديُّ بن بَدَّاءٍ نصرانيًّا.
          وفي «تفسير الثَّعلبيِّ»: كان بُديلُ بنُ أبي ماويَّة _وقيل ابن أبي ماريَة وقيل ابن أبي مريم_ مولى عمرو بن العاص، وكان بُدَيلٌ مسلمًا ومات بالشَّام، وروى ابن بَطَّالٍ عن ابن جُرَيجٍ، عن عكرمة في هذه الآية قال: كان تميمٌ الدَّاريُّ وأخوه نصرانيَّين وهما مِنْ لَخْمٍ، وكان مَتْجَرُهُما إلى مكَّة، فلما هاجر رسول الله _صلعم_ إلى المدينة حَوَّلا مَتْجَرَهُمَا إلى المدينة فقدم ابن أبي ماريَة مولى عمرو بن العاص المدينةَ وهو يريد الشَّام تاجرًا، فخرجوا جميعًا حتَّى إذا كانوا ببعض الطَّريق مرض ابنُ أبي مارِيَة، فكتب وصيَّته بيده ثُمَّ دَسَّها في متاعه وأوصى إليهما، فلمَّا مات فتحا متاعه فوجدوا فيه أشياءَ فأخذاها فلمَّا قَدِمَا على أهله... الحديثَ، فنزلت هذه الآية إلى قوله: {إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ} [المائدة:106] فاستحلفهما / فحلفا ثُمَّ ظُهر عَلى إناءٍ مِنْ فضَّةٍ منقوشٍ بذهب معهما، فقالوا: هذا مِنْ متاعه، فقالا: اشتريناه منه، فارتفعوا إلى رسول الله _صلعم_ فنزلت: {فَإِنْ عُثِرَ} إلى قوله: {مَقَامَهُمَا} مِنْ أولياء الميِّت فأمر رسول الله _صلعم_ رجلين مِنْ أهل الميِّت فكان يُقول: صدق اللهُ ورسولُه وبلَّغ، إنِّي لأنَا أخذتُ الإناء.
          والجامُ: إناءٌ يُشْرَب به كما سيأتي.
          إذا تقرَّر ذلك فقوله _تعالى_: {يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} هي الشَّهادة بالحقوق عند الحكَّام، أو شهادة الحضور للوَصيَّة وإليه الإشارة بقوله: {وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللهِ} أي أمانته، أو أيمانٌ عبَّر عنها بلفظ الشَّهادة كاللَّعان أقوالٌ.
          وقوله: ({حِينَ الوَصِيَّةِ}) أي شهادة هَذا الحال شهادة اثنين ويحتمل ليكن أنْ يشهد اثنان.
          وقوله _تعالى_: ({اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ}) قال ابن عبَّاسٍ: تجوز شهادة أهل الكفر على المسلمين في الوَصيَّة في السَّفر، وأخذ في ذلك بالحديث الشَّعْبيُّ وابنُ المسيِّب وجماعة من التَّابعين، ورأَوا الآية محكمةً غير منسوخةٍ، وقالت طائفةٌ: إنَّها منسوخةٌ بقوله:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} وهو قول زيد بن أسلم ومالكٍ والكُوفيِّين والشَّافعيِّ واحتجُّوا بقوله _تعالى_:{مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} وأهل الكتاب ليسوا بعدول، وَلا ممَّن تُرْضَى شَهادتهم، قال ابن زيد: لم يكن الإسلام إلَّا بالمدينة فجازت شهادة أهل الكتاب، واليوم طبَقَ الإسلام الأرض، وقوله: ({مِنْكُمْ}) أيُّها المسلمون، وقال عكرمة وعُبيدة: مِنْ حيِّ الموصي، {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} مِنْ قبيلتكم، وقيل: مِنْ غير ملَّتِكم مِنْ أهل الكتاب، قاله سعيدُ بن المسيِّب وابن جُبَيْرٍ والنَّخَعيُّ ومجاهدٌ وعبيدة ويحيى بن يعمرَ وأبو مِجْلَزٍ، وحكاه ابن التِّيْنِ عن أحمدَ، قالوا: فإنْ لم يجد مسلمين فَلْيُشْهِد كافرين إذا كان في سفرٍ، و{أَوْ} هنا للتَّخيير، وَهل هُو في المسلم والكتابيِّ أو الكتابيُّ مرتَّبٌ على المسلم قاله ابن عبَّاسٍ.
          ({تَحْبِسُونَهُمَا}) توقفونهما للأيْمان خِطابٌ للورثة.
          ({فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ}) أي وقد أصبتم إليها.
          ({الصَّلَاةِ}) العَصر، أو الظُّهر والعصر، أو صلاة أهل دينهما مِنْ أهل الذِّمة قاله ابن عبَّاسٍ، فدعا رسول الله _صلعم_ تميمًا وعَديًّا فاستحلفهما عند المنبر.
          {إِنِ ارْتَبْتُمْ} في الوصيَّتين بالخيانة أحلفهما الورثة، أو بعدالة الشَّاهدين أحلفهما الحاكم لتزول الرِّيبة، وَهذا في السَّفر فقط.
          {ثَمَنًا} رِشوةً أو لا يُعتاض عليه بحقيرٍ {وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى}، أي: {وإن عُثِرَ} اطُّلع على أنَّهما كذبا وخانا عبَّر عنهما بالإثم لحدوثه عنهما {اسْتَحَقَّا} الشَّاهدان أو الوصيَّان {فَآخَرَانِ} مِنَ الورثة {يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا} في اليمين، قال الزَّجَّاج: وهذا موضعٌ مشكل الإعراب والمعنى، وفيه أقوالٌ:
          منها أَنَّ {عَلَى} بمعنى في، كما قامت {فِي} مقام على في قوله: {فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه:71] فالمعنى: استحقَّ فيهم الأَوْلَيان، وقيل: بمعنى منهم مثل: {إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ} [المطففين:2] أي مِنهم، قال: والمختار عندي أنَّ المعنى: ليقم الأَولى بالميِّت فالأَولى، و{الْأَوْلَيَانِ} بدلٌ مِنَ الألف في {يَقُومَانِ} فالمعنى: مِنَ الَّذين استحقَّ عليهم الإيصاء، وأنكر ابن عبَّاسٍ هذه القراءة وقرأ: {الأولين} وقال: أرأيت إن كان الأوليان صغيرين؟ وحكى الماوَرْديُّ قولين في المراد بـ{الْأَوْلَيَانِ} فقال: الأوليان بالميِّت مِنَ الوَرَثة، أو بالشَّهادة مِنَ المسلمين.
          وقوله: ({ذَلِكَ أَدْنَى}) أي أقرب، ولمَّا ذكر الطَّحَاويُّ حديث أبي داود أنَّ رجلًا مِنَ المسلمين توفِّي بِدَقُوقاءَ ولم يجد أحدًا مِنَ المسلمين يُشهده على وصيَّته، فأشهد رجلين مِنْ أهل الكتاب نصرانيَّين فقدما الكوفة على أبي موسى فقال أبو موسى: هذا أمرٌ لم يكن بعد الَّذي كان في عهد رسول الله _صلعم_ فأحلفهما بعد العصر ما خانا ولا كذَبا ولا بَدَّلا، وأمضى شهادتهما، قال: هذا يدلُّ على أنَّ الآية محكمةٌ عند أبي موسى وابن عبَّاسٍ، ولا أعلم لهما مخالفًا مِنَ الصَّحابة في ذلك، وعلى ذلك أكثرُ التَّابعين.
          ونقل النَّحَّاس عن النُّعمان أنَّه أجاز شهادة الكفَّار بعضِهم على بعضٍ، وأنَّ الزُّهْريَّ والحسن قالا: إنَّ الآية كلَّها في المسلمين، وذهب غيرهما إلى أن الشَّهادة هنا بمعنى الحضور، وقد أسلفناه.
          قال: وتكلَّموا في معنى استحلاف الشَّاهدين هنا، فمنهم مَنْ قال: لأنَّهما ادَّعيا وَصيَّةً مِنَ الميِّت، وهو قول يحيى بن يَعمَرَ قال: وهذا لا يُعرف في حكم الإسلام أن يدَّعيَ رجلٌ وصيَّته فيحلف ويأخذها، ومنهم مَنْ قال: يحلفان إذا شهدا أنَّ الميت أوصى بما لا يجوز أو بماله كلِّه، وهذا أيضًا لا يُعرف في الأحكام، ومنهم مَنْ قال: يحلفان إذا اتُّهما ثُمَّ ينقل اليمين عنهما إذا اطُّلع على الخيانة، وزعم ابن زيدٍ: أنَّ ذلك كان في أوَّل الإسلام، كان النَّاس يتوارثون بالوَصيَّة ثُمَّ نُسِخَت الوَصيَّة وقُرِّرت الفرائض وقد سلف، وقَالَ الخَطَّابِيُّ: ذهبت عائشةُ إلى أنَّ هذه الآية ثابتةٌ غير منسوخةٍ، ورُوي ذلك عن الحسن والنَّخَعيِّ وَهو قولُ الأَوْزاعيِّ، قال: وكان تميمٌ وعَديٌّ وصيَّين لا شاهدين والشُّهود لا يحلفون، وإنَّما عَبَّر بالشَّهادة عَن الأمانة الَّتي تحمَّلاها في قَبول الوَصيَّة.
          تنبيهاتٌ: أحدها: انتزع ابن شُرَيحٍ مِنْ هذه الآية الشَّاهد واليمين فيما حكاه ابن التِّيْنِ عنه، قال عنه: ومعنى {عُثِرَ} بُيِّن {عَلَى أَنَّهُمَا} يعني: الوصيَّين {فَآخَرَانِ} يريد وارثَي الميت، ثُمَّ قال: وقوله: ({فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا}) لا يخلو مِنْ أربعة أوجهٍ: إمَّا أن يُقِرَّا، أو يَشهدا، أو يشهد عليهما شاهدان أو شاهدٌ وامرأتان، أو شاهدٌ واحد، قال: وأجمعنا أنَّ الإقرار بعد الإنكار لا يوجب يمينًا على الطَّالبين وكذلك مع الشَّاهدَين والشَّاهدِ والمرأتين، فلم يبقَ إلَّا شاهدٌ واحدٌ ولذلك استُحلف الطَّالبان ورُويت القصَّة بنحو ذلك.
          ثانيها: قوله مُخَوَّصٌ بِالذَّهَبِ قال ابن الجَوزيِّ: صِيغت فيه صفائحُ مثل الخُوص مِنَ الذَّهب، / وقال ابن بَطَّالٍ: نُقش فيه صفةُ الخوص، وطُلي بالذَّهب، والخُوص: ورق النَّخل والْمُقَل، وقال ابن التِّيْنِ: الجامُ: الإناء المخوَّص الْمُغَلَّف، وأغرب بعضُهم فرواه بضادٍ معجمةٍ، حكاه المنذِريُّ، والمشهور بمهملةٍ وخاءٍ معجمةٍ.
          ثالثها: الحالفان قيل: هما عبد الله بن عمرو بن العاص والمطَّلب، وقد أسلفنا مِنْ طريق التِّرمِذيِّ أنَّ أحدهما عمرو بن العاص، ومِنْ طريق غيره: عمرو بن العاص والمطَّلب بن أبي وَدَاعةَ، و(السَّهْميُّ) في رواية البُخاريِّ هو بُدَيل بن أبي مريمَ، كذا قاله ابن التِّيْنِ وقد قدَّمنا فيه أقوالًا أُخَر.
          رابعها: مَا قدَّمناه عن ابن عبَّاسٍ مِنْ قَبول شهادة الكفَّار على المسلمين في الوَصيَّة في السَّفر أخذًا مِنْ هذا الحديث هُو ما ذكره ابن بَطَّالٍ، وأمَّا ابنُ المنيِّر فردَّه عليه بأنَّ الشَّهادة كانت عبارةً عن اليمين.
          قال: ولا خلاف أنَّ يمينه مقبولةٌ إذا ادَّعى عليه فأنكر ولا بيِّنة، ولعلَّ تميمًا اعترف أنَّ الجامَ كان مَلَكه مِنَ الميِّت بشراءٍ أو غيره، فكان وليُّ الكافر مدَّعًى عليه فحلف واستحقَّ، وفي بعض الحديث التَّصريحُ بهذا، ولو لم يكن لكان الاحتمال كافيًا في إسقاط الاستدلال لأنَّها واقعةُ عينٍ، قلتُ: سلف ذكر بُدَيل بن مارِيَة في الصَّحابة.