التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: إذا تصدق أو أوقف بعض ماله أو بعض رقيقه أو دوابه فهو جائز

          ░16▒ (بَاب: إِذَا تَصَدَّقَ أَوْ وَقَفَ بَعْضَ مَالِهِ أَوْ بَعْضَ رَقِيقِهِ أَوْ دَوَابِّهِ، فَهُوَ جَائِزٌ)
          2757- ذكرَ فيه حديثَ كعبِ بن مالكٍ: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، فقَالَ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ، قُلْتُ: فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذي بِخَيْبَرَ).
          هَذا الحديث تقدَّم في الزَّكاة [خ¦24/18-2245]، وفيه أحكام:
          أحدها: صدقةُ المرء بجميع ماله، وقال بعضهم: لا يجوز، والصَّواب استحبابُه لِمَنْ يصبرُ على الضُّرِّ والإضاقة، كما فعل الصِّدِّيقُ حيث تصدَّق بماله كلِّه وأقرَّه الشَّارعُ عليه.
          قال ابن بَطَّالٍ: واتَّفق مالكٌ والكُوفيُّون والشَّافعيُّ وأكثرُ العلماء على أنَّه يجوز للصَّحيح أن يتصدَّق بماله كلِّه في صحَّته، إلَّا أنَّهم استحبُّوا أنْ يُبقي لنفسه منه ما يعيش به خوف الحاجة، وما يتَّقي مِنَ الآفات مِثل الفقر وغيره لقوله _◙_: (أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ)، ويُروى: (أَمْسِكْ عَلَيْكَ ثُلُثَ مَالِكَ) فحضَّ على الأفضل، قال ابن التِّيْنِ: ومذهبُ مالكٍ أنَّه يجوز إذا كان له صناعةٌ أو حرفةٌ يعود بها على نفسه وعياله وإلَّا فلا ينبغي له ذلك.
          ثانيها: أنَّ الغِنى أفضلُ مِنَ الفَقر، وأنَّ الكَفاف أفضلُ منهما لقوله: (فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ)، وقد سلف ذلك في الزَّكاة في باب: لا صدقةَ إِلَّا عنْ ظَهْرِ غنًى [خ¦1426].
          ثالثها: استدلَّ البُخاريُّ بأنَّه لمَّا جازت الصَّدَقة بالعقار، ووقفُ غلَّاتها على المساكين جاز ذلك في الرَّقيق والدَّوابِّ، إذ المعنى واحدٌ في انتفاع المساكين بغلَّاتها وبقاء أصولها، وقد سلف ذلك في باب: الشُّروط في الوقف [خ¦2737]، وسيأتي الاختلافُ في وقف الرَّقيق والحيوانِ بعدُ.
          رابعها: أنَّ مَنْ تاب اللهُ عليه أو خلَّصه مِنْ مسألة نزلتْ به ينبغي له أن يشكر الله _تعالى_ على ذلك بالصَّدَقة وبما شاكَلها مِنْ أفعال البرِّ.
          خامسها: قال الدَّاوُديُّ: وفيه أنَّ السَّمع شهادةٌ.