التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: هل يدخل النساء والولد في الأقارب

          ░11▒ (بَابٌ: هَلْ يَدْخُلُ النِّسَاءُ وَالوِلْدَانِ فِي الأقَارِبِ؟)
          2753- ذكر فيه حديثَ أبي هريرة قَالَ: (قَامَ رَسُولُ اللهِ _صلعم_ حِينَ أَنْزَلَ اللهُ _╡_: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214] قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا...) الحديثَ بطوله.
          قال الإسماعيليُّ: وحديثُ أبي هريرة هذا وحديث ابن عبَّاسٍ في الباب قبله مرسلان لأنَّ الآية نزلت بمكَّة _شرَّفها الله_ وابن عبَّاسٍ كان صغيرًا، وأبو هريرة إنَّما أسلم بالمدينة.
          قلتُ: والسَّماع ممكنٌ أو مِنْ صحابيٍّ آخر فلا إرسالَ يقدح، وقام الإجماع على أنَّ اسم الولد يقع على البنين والبنات، وأنَّ النِّساء الَّتي مِنْ صُلبه وعَصَبَته كالعمَّة والابنة والأخت يدخلنَ في الأقارب إذا وقف على أقاربه، ألا ترى أنَّه _◙_ خصَّ عمَّته بالنِّذارة كما خصَّ ابنتَه، فكذلك مَنْ كان في معناهما ممَّن يجمعُه معه أبٌ واحدٌ.
          وروى أَشهبُ عن مالكٍ أنَّ الأُمَّ لا تدخل في مرجع الحبس، وقال ابن القاسم: تدخل الأمُّ في ذلك، ولا تدخل الأخوات لأمٍّ، واختلفوا في ولد البنات أو ولد العمَّات ممَّن لا يجتمع في أبٍ واحدٍ مع الوَصيِّ والمحبِّس هل يدخلون في القرابة أم لا؟ فقال أبو حَنِيفةَ والشَّافعيُّ: إذا وقف وقفًا على ولده دخل فيه ولدُ ولده وولد بناته ما تناسلوا، وكذلك إذا أوصى لقرابته يدخل فيه / ولدُ البنات.
          والقرابة عند أبي حَنِيفةَ: كلُّ ذي رَحِم، فيسقط عنده ابنُ العمِّ والعمَّة وابن الخال والخالة لأنهَّم ليسوا بمحرَّمين، والقرابة عند الشَّافعيِّ: كلُّ ذي رَحمٍ مَحرمٍ وغيرِه، فلم يسقط عنده ابن العمِّ ولا غيره، قلتُ: صحَّح أصحابه أنَّه لا يدخل في القرابة الأصولُ والفروع، ويدخل كلُّ قرابةٍ وإن بَعُد، وقال مالكٌ: لا يدخل في ذلك ولد البنات.
          وقوله: لِقَرَابَتِي وَعَقِبِي، كقوله: لولدي وولد ولدي، يدخل فيه ولد البنين ومَنْ يرجع إلى عَصَبة الأب وصُلبه، ولا يدخل ولد البنات، حُجَّة مَنْ أدخل ولدَ البنت الحديثُ السَّالف: ((إنَّ ابْنِي هَذَا سيِّدٌ)) في الحسن بن عليٍّ، ولا يُظَنُّ أنَّ أحدًا يمتنع أن يقول في ولد البنات: إنَّهم ولدٌ لأبي أمِّهم، والمعنى يقتضي ذلك لأنَّ الولد في اللُّغة مشتقٌّ مِنَ التَّولُّد، وهم متولِّدون عن أبي أمِّهم لا محالة لأنَّه أحد أَصْلَيْهم الَّذي يرجعون إليه، قال _تعالى_: {إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} [الحجرات:13] فللذَّكر حظُّه وللأنثى حظُّها، والتَّولُّد عن جهة الأُمِّ كالتَّولُّد عن جهة الأب، وقد دلَّ القرآن على ذلك قال _تعالى_: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ} إلى أنْ قال: {وَعِيسَى} [الأنعام:84_ 85] فجعل عيسى مِنْ ذرِّيَّته وهو ابنُ بنته، ولم يفرِّق في الاسم بين بني ابنه وبين ابنته.
          وأُجيب بأنَّه _◙_ إنَّما سمَّى الحسن ابنًا على وجه التَّحنُّن، وأبوه في الحقيقة عليٌّ وإليه نسبُه، وقد قال _◙_ في العبَّاس: ((اتْرُكُوا لِي أَبِي)) وهو عمُّه، وإن كان الأب حقيقةً خلافَه.
          قلتُ: وأعلى مِنْ هذا أنَّ مِنْ خصائصه أنَّ أولاد بناتِه يُنسبون إليه، كمَا أوضحته في «الخصائص» وعيسى جرى عليه اسم الذُّرِّيَّة على طريق الاتِّساع والتَّغليب للأكثر المذكور، وهذا شائعٌ في كلام العرب.
          ودليلٌ آخر وهو قوله _تعالى_: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء:11] والمراد الذَّكَر وابنه خاصَّةً، ألا ترى قوله _تعالى_: {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال:41] اختصَّ به بنو أعمامه ومَنْ يرجع بنسبه إليه لأنَّه _◙_ أعطى سهم القرابة بني أعمامه دون بني أخواله، فكذلك ولد البنات لأنَّهم لا ينتمون إليه بالنَّسب، ولا يلتقون معه في أبٍ، قال الشَّاعر:
بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا، وَبَنَاتُنَا                     بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الأَبَاعِدِ
          وفي إعطائه _◙_ بني المطَّلب _وهم بنو أعمامه_ حُجَّةٌ على أبي حَنِيفةَ أنَّ ابن العمِّ داخلٌ في القرابة، ولمَّا أعطى بني المطَّلب وبني هاشمٍ جاء عثمانُ وجُبَيْر بن مُطْعِمٍ إليه فقالا: قد عرفنا فضل بني هاشمٍ لمكانك الَّذي وضعك الله فيهم، فما بالُنا وبني المطَّلب أعطيتَهم ومنعتَنا وقرابتُنا واحدةٌ؟ فقال _◙_: ((إِنَّهُمْ لمْ يُفَارِقُوني في جَاهِلِيَّةٍ ولا إسلامٍ)) وعثمانُ مِنْ بني عبد شمسٍ، وجُبَيرُ بن مُطعِمٍ مِنْ بني نَوفلٍ، وهو أخو عبدِ شمس بن عبد مَنافٍ والمطَّلبِ بن عبد مَنافٍ وهاشمِ بن عبد مَنافٍ، فأعطى بني المطَّلب وهم بنو أعمامه، وأعطى بني هاشمٍ وهو جدُّه، وليس فيهم مَنْ يرجع إلى أجداد الأمَّهات مثل ولد البنات والأخوال وغيرهم مِنْ ذوي الأرحام، فدلَّ ذلك على ردِّ قول القائل: إنَّ القرابة تقع على قرابة الأب والأمِّ لأنَّه _◙_ لم يُعْطِ إلَّا مَنْ رجع إلى عَصَبَته، وكذا مَنْ سوَّى بين الأقرب والأبعد لأنَّه لمَّا أعطى الأوَّلين ومنع الآخرين عُلم أنَّه لا يستحقُّ بالقرابة إلَّا على وجه الاجتهاد، وقد يدخل في القرابة جميع قريشٍ بقوله: (يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ) وخصَّ بعضَهم بالعطاء، فصحَّ البداءة بالفقراء قبل الأغنياء.
          وفي قوله لابنته: (سَلِينِي مَا شِئْتِ) أنَّ الائتلاف للمسلمين وغيرِهم بالمال جائزٌ، وذلك في الكافر آكَدُ.