شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما يكره من السمر بعد العشاء

          ░39▒ باب: مَا يُكْرَهُ مِنَ السَّمَرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ.
          فيه: أبو برْزَة: (أنَّ النبيَّ صلعم كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ العشاء، وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا، وَكَانَ(1) يَنْفَتِلُ مِنْ صَلاةِ الْغَدَاةِ، حِينَ يَعْرِفُ أَحَدُنَا جَلِيسَهُ) في حديث طويل. [خ¦599]
          قال المُهَلَّب: إنَّما كرِه ◙ السمر بعد العشاء، لئلَّا يُزاحم بقية الليل بالنوم، فتفوتَه صلاة الصبح في جماعة(2)، وقال خَرَشَةُ بن الحُرِّ: رأيتُ عُمَر بن الخطاب يضرب الناس على الحديث بعد العشاء، ويقول: أَسَمَرًا(3) أوَّلَ الليل ونومًا(4) آخره؟!. وقال سلمان الفارسيُّ: إيَّاكم وسمر أوَّل الليل(5)، فإنَّه مهدمَة لآخرِه، فمن فعل ذلك فليصلِّ ركعتين قبل أن يأوي إلى فراشِه. وكان إبراهيم، وابن سيرين، يكرهان الكلام بعد العشاء. وأمَّا السمر بالعلم والفقه، وأفعال الخير(6) فجائزٌ، قد فعلَه النبيُّ صلعم، وأصحابه، وسيأتي في الباب بعد هذا إن شاء الله تعالى، وقد تقدَّم اختلافهم في النوم قبل هذا فأغنى عن إعادتِه. فإن قال قائل: إن قول أبي برزَة: ((وكان(7) ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف واحدنا(8) جليسَه))، معارض لقول عائشة: ((إنَّ النساء كُنَّ ينصرفنَ من صلاة الفجر مع رسول الله صلعم وكنَّ(9) متلفعات(10) بمروطهنِّ لا(11) يُعرفن من الغَلَسِ)). قيل: لا تعارض بينهما(12)، وذلك أنَّ تلفعهنَّ وتسترهنَّ بمروطهنَّ مانع من معرفتهنَّ، وكان الرجال يصلون ووجوههم باديةٌ بخلاف زيِّ النساء وهيئاتهنَّ، وذلك غير مانع للرجل من معرفة جليسِه(13)، فلا تعارض بين شيءٍ من ذلك بحمد الله(14).


[1] في (ص): ((كان)).
[2] في (م): ((الجماعة)).
[3] في (م) و(ق): ((أسمر)).
[4] في (م): ((ونومٌ)).
[5] قوله ((ونومًا آخره؟!. وقال سلمان الفارسيُّ: إيَّاكم وسمر أوَّل الليل)) ليس في (ق).
[6] في (م): ((البرِّ)).
[7] في (ق): ((كان)).
[8] في (ق) و(م) و(ص): ((أحدنا)).
[9] في (ق) و(م): ((وهن)).
[10] في (م): ((ملفعات)).
[11] في (م) و(ق): ((ما)).
[12] زاد في (م): ((بحمد الله)).
[13] في (ق): ((غير مانع من معرفة الرجل جليسه)).
[14] في (م) و(ق): ((والحمد لله)).