شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب النوم قبل العشاء لمن غلب

          ░24▒ باب النَّوْمِ قَبْلَ الْعِشَاءِ لِمَنْ غُلِبَ.
          فيه: عَائِشَة قَالَتْ: (أَعْتَمَ رَسُولُ اللهِ صلعم بِالْعِشَاءِ، حَتَّى نَادَاهُ(1) عُمَرُ: الصَّلاةَ(2)، نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، فَخَرَجَ، فَقَالَ: مَا يَنْتَظِرُهَا مِنْ أَهْلِ الأرْضِ أَحَدٌ غَيْرُكُمْ، قَالَ: وَلا تصَلَّى(3) يَوْمَئِذٍ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ، وَكَانُوا يُصَلُّونَ فِيمَا بَيْنَ أنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إلى ثُلُثِ اللَّيْلِ). [خ¦569]
          وفيه: ابْنُ عُمَرَ (أَنَّ النبيَّ صلعم شُغِلَ عَنْهَا لَيْلَةً، فَأَخَّرَهَا حَتَّى رَقَدْنَا / فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا، ثُمَّ رَقَدْنَا، ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا(4)، ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا النبيُّ صلعم، ثُمَّ قَالَ: لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأرْضِ يَنْتَظِرُ الصَّلاةَ غَيْرُكُمْ)، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لا يُبَالِي قَدَّمَهَا أَمْ أَخَّرَهَا، إِذَا(5) كَانَ لا يَخْشَى أَنْ يَغْلِبَهُ النَّوْمُ عَنْ وَقْتِهَا، وَقد كَانَ يَرْقُدُ قَبْلَهَا.
          وفيه: ابْن عَبَّاسٍ قال(6): (أَعْتَمَ النبيُّ صلعم لَيْلَةً بِالْعِشَاءِ حَتَّى رَقَدَ النَّاسُ، وَاسْتَيْقَظُوا، وَرَقَدُوا، وَاسْتَيْقَظُوا، فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: الصَّلاةَ، فَخَرَجَ النبي صلعم، وقَالَ: لَوْلا أَنْ أَشُقَّ على أُمَّتِي لأمَرْتُهُمْ أَنْ يُصَلُّوا هَكَذَا). [خ¦570] [خ¦571]
          النوم المذكور في هذا الحديث(7) إنَّما هو نوم القاعد الذي يخفق برأسِه لا نوم المضطجع، والدليل على ذلك أنَّه لم يكن يذكر(8) أحدٌ من الرواة أنهم توضَّؤوا من ذلك النوم، ولا يدلُّ قولُه: (ثم(9) اسْتَيْقَظُوا) على(10) النوم المستغرق الذي يزيل العقل وينقض الوضوء لأنَّ العرب تقول: استيقظ من سِنَتِه وغفلَتِه، وإلى هذا ذهب الشافعيُّ في(11) أنَّ نوم الجالس لا ينقض الوضوء، ويشبه أيضًا مذهب مالك في مراعاتِه النوم الخفيف في كلِّ الأحوال؛ لأنَّه(12) ليس بحدث وهو ردٌّ على المزنيِّ في قولِه: إنَّ(13) قليل النوم وكثيرُه حدث ينقض الوضوء لأنَّه محال أن يذهب على أصحاب النبي صلعم أنَّ النوم حدث ينقض الوضوء(14)، فيصلون بالنوم، ولا يسألون رسول الله صلعم عن ذلك، وقد رُوي عن ابن عمر، وابن عباس، وأبي أمامة(15) أنَّهم كانوا ينامون قعودًا، ولا يتوضَّؤون، فدلَّ هذا أنَّه كان نومًا خفيفًا.
          فإن قال قائل: فقد جاء(16) عن أنس أنَّهم حين(17) كانوا ينتظرون الصلاة مع النبيِّ(18) صلعم، ناموا مضطجعين، ثم صلَّوا ولم يتوضَّؤوا، ذكرَه الطبريُّ، عن شعبة، عن قَتادة، عن أنس، قال: ((كان أصحاب النبي صلعم ينتظرون الصلاة مع النبي صلعم فيضعون جنوبهم، ثم يقومون فيُصلون ولا يتوضَّؤون)). ففي هذا حجَّة لمن لم يرَ من النَّوم وضوءًا أصلًا، وهو قول أبي موسى الأشعري وأبي مجلز وعمرو بن دينار، فهذا خلاف ما تأوَّلت في هذه الأحاديث، أنَّهم كانوا ينامون نومًا خفيفًا. قيل: قد جاء حديث قَتادة، عن أنس بلفظ آخر، وفيه ما يدلُّ على ما قلناه(19) وهو قولُه: (ثُمَّ يَقُومُون)، فمنهم من يتوضأ ومنهم من لا يتوضَّأ، ذكرَه الطبريُّ، فبان بهذا الحديث(20) أنَّ من استغرق في نومِه مضطجعًا أو جالسًا، فهم الذين كانوا يتوضَّؤون، ومن كان نومُه خفيفًا فهم الذين كانوا لا يتوضَّؤون كما قلنا، وإجماع العلماء على أنَّ النوم مزيل(21) للعقل ينقض الوضوء، يردُّ قول من لم يرَ من النوم وضوءًا أصلًا. وأمَّا نوم ابن عمر قبل العشاء، فيدلُّ _والله أعلم_ أنَّه كان منه نادرًا إذا غلبَه النَّوم، فكان يوكِّل من يوقظُه على ما ذهب إليه بعض الكوفيين، وروى(22) معمَّر، عن أيوب، عن نافع: أنَّ ابن عمر كان(23) ربَّما رقد عن العشاء الآخرة، ويأمر أن يوقظوه.
          وقوله: (رُبَّمَا(24))، يدل أنَّه كان منه في النادر، فيحتمل أن يفعلَه إذا أراد أن يجمع(25) بأهلِه، أو لعذر يمنعُه من(26) حضور(27) الجماعة، ثمَّ يجمع بأهلِه، والله أعلم.


[1] في (ق): ((نادى)).
[2] في (ص): ((بالصلاة)).
[3] في (ق): ((يصلي)).
[4] قوله: ((ثُمَّ رَقَدْنَا، ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا)) ليس في (م)و(ق).
[5] في (ق): ((إذ)).
[6] قوله: ((قال)) ليس في (م)و(ق).
[7] في (م): ((هذه الأحاديث)).
[8] في (م): ((لم يذكر فيهما أحد))، و في (ق): ((لم يذكر فيها أحد)).
[9] قوله: ((ثم)) ليس في (م) و(ق).
[10] زاد في (م): ((أنه)).
[11] قوله: ((في)) ليس في (م).
[12] في (م) و(ق): ((أنه)).
[13] في (ق): ((المزني في أنّ)).
[14] قوله ((لأنَّه محال أن يذهب على أصحاب النبي صلعم أنَّ النوم حدث ينقض الوضوء)) ليس في (ق).
[15] زاد في (ق) و(م) و(ص): ((وأبي هريرة)).
[16] في (م) و(ق): ((روي)).
[17] قوله ((حين)) ليس في (ق).
[18] في (م) و(ص): ((ينتظرون النبي)).
[19] في (م) و(ق): ((قلنا)).
[20] في (م): ((اللفظ))، و في (ق): ((وبان بهذا اللفظ)).
[21] في (م)و(ق): ((المزيل)).
[22] في (م) و(ق): ((روى)) بلا واو.
[23] قوله: ((كان)) ليس في (م)و(ق).
[24] زاد في (م): ((رقد))، و زاد في (ق): ((قد)).
[25] في (ص): ((يجتمع)).
[26] في (م): ((عن)).
[27] في (ق): ((حصول)).