شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب وقت العشاء إذا اجتمع الناس أو تأخروا

          ░21▒ باب وَقْتِ الْعِشَاءِ إِذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ أَوْ تَأَخَّرُوا.
          فيه: جَابِر قال(1): (كان النَّبِيِّ صلعم يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ، وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ، وَالْمَغْرِبَ إِذَا وَجَبَتْ(2)، وَالْعِشَاءَ إِذَا كَثُرَ النَّاسُ عَجَّلَ، وَإِذَا قَلُّوا أَخَّرَ، وَالصُّبْحَ بِغَلَسٍ). [خ¦565]
          وأمَّا(3) قوله: (والعشاء إذا كثر الناس عجَّل(4))، فتعجيله بها كان بعد مغيب الشفق، وقد أجمع العلماء أن وقت العشاء(5) الآخرة مغيب الشفق(6). واختلفوا في مغيب(7) الشفق، فرُوي عن ابن عباس وابن عمر وعبادة بن الصامت أنَّها(8) الحمرة التي تكون في المغرب بعد غروب الشمس، وهو قول مكحول وابن أبي ليلى ومالك والثوريِّ والأوزاعيِّ وأبي يوسف ومحمد والشافعيِّ، وقال أبو حنيفة والمزنيُّ: الشفق البياض الذي بعد الحمرة، فإذا غاب ذلك البياض وجبت العشاء الآخرة(9)، وقد رُوي عن ابن عباس أيضًا أنَّه البياض، وعن أبي هريرة وأنس مثلُه، وهو قول عُمَر بن عبد العزيز.
          وذَكر ابن شعبان(10) عن مالك قال: إذا ذهبت الحُمرة وبقي البياض، فأرجو أن تُجزئ المصلَّي صلاتُه، وما ذلك عندَه(11) باليقين، وذهاب البياض هو الذي لا شكَّ فيه، وفيه قول ثالث: أنَّ الشفق اسم لمعنيين عند العرب(12)، وهما الحمرة والبياض، وكان عليٌّ يصلِّيها إذا غاب الشفق، وقال عمر: عجِّلوا العشاء قبل أن يكسَل العامل(13) وينام المريض. وأمَّا تأخيرها(14) فسيأتي في بابِه(15) ذكر الاختلاف فيه، إن شاء الله تعالى، وكان رسول الله صلعم يستحب تأخير العشاء، ويكرَه(16) ما يشق على أمَّتِه من طول انتظارها(17) لأنَّه كان رؤوفًا بالمؤمنين، فلذلك كان يعجِّلها إذا اجتمعوا. ومن هذا الحديث استدلَّ مالك _والله أعلم_ على أنَّ صلاة الجماعة في وسط الوقت أفضل من الصلاة في أولِه فرادى، واستحبَّ(18) مالك(19) لمساجد الجماعات أن يؤخِّروا الصَّلاة(20) حتَّى يجتمع الناس طلبًا للفضل؛ لأنَّ المنتظر للصلاة في صلاة(21).


[1] قوله: ((قال)) ليس في (م) و(ق).
[2] زاد في (م): ((الشمس)).
[3] في (م): ((أما)) بلا واو.
[4] قوله ((وَإِذَا قَلُّوا أَخَّرَ، وَالصُّبْحَ بِغَلَسٍ)). وأمَّا قوله: ((والعشاء إذا كثر الناس عجَّل)) ليس في (ق).
[5] في (ق): ((العلماء على أن أول وقت العشاء)).
[6] قوله: ((وقد أجمع العلماء أن وقت العشاء الآخرة مغيب الشفق)) ليس في (ص).
[7] قوله: ((مغيب)) ليس في (م).
[8] في (م): ((أنه)).
[9] قوله ((الآخرة)) ليس في (ق).
[10] في (م): ((سعيد)).
[11] في (م): ((وما ذكر عندي))،و في (ق): ((وما ذلك عندي)).
[12] في (م): ((الغروب)).
[13] في (م): ((الكاسل)).
[14] في (ق): ((تأخرها)).
[15] في (م): ((فسيأتي باب)).
[16] في (م)و(ق): ((وكان يكره)).
[17] في (م): ((انتظاره)).
[18] في (م)و(ق): ((فاستحب)).
[19] قوله: ((مالك)) ليس في (م).
[20] في (م): ((أن يؤخر في الصلاة)).
[21] في (م): ((صلاته)).