شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الإبراد بالظهر في شدة الحر

          ░9▒ بَابُ: الإبْرَادُ / بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الحَرِّ.
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ، أنَّ النَّبيَّ(1) صلعم قال: (إِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ، فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ). [خ¦533] [خ¦534]
          وزَادَ أَبُو هُرَيْرَةَ: (وَاشْتَكَتِ(2) النَّار إلى رَبِّهَا، فَقَالَتْ: يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسًا(3) فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسًا فِي الصَّيْفِ، أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ(4)). [خ¦536] [خ¦537]
          وفيهِ(5): أَبُو ذَرٍّ قَالَ(6): (أَذَّنَ مُؤَذِّنُ النَّبِيِّ صلعم(7)، الظُّهْرَ فَقَالَ: أَبْرِدْ، أَبْرِدْ _أَوْ قَالَ: انْتَظِرِ انْتَظِرْ_ وَقَالَ: شِدَّةُ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ، فَأَبْرِدُوا(8) عَنِ الصَّلاةِ، حتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ). [خ¦535]
          وترجم لحديث أبي ذرٍّ: بابُ الإبرادِ بالظُّهْرِ في السَّفَرِ، وقالَ(9) أَبُو ذَرٍّ: ((كُنَّا مَعَ النَّبيِّ صلعم في سَفَرٍ))، وذكر الحديث.
          اختلف العلماء في تأخير الظُّهر عند شِدَّة الحَرِّ فذكر ابنُ أبي شَيْبَةَ وعبدُ الرَّزَّاقِ روايةً عن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، أنَّه كان يُبْردُ بها، وعن أبي هريرةَ(10) وقَيْسِ بنِ أبي حَازِمٍ مثلُهُ. وقال(11) أبو الفَرَجِ: عن(12) مالكٍ، أوَّل الوقت أفضل في كلِّ صلاةٍ إلَّا الظُّهر في شِدَّة الحَرِّ، ولمالكٍ في «المدوَّنة» خلاف ما حكاه عنه(13) أبو الفَرَجِ، وهو أنَّه استحبَّ أن يُصَلِّي الظُّهْرَ، والعَصْرَ، والعِشَاءَ، بعد تمكُّن الوقت وذهاب بعضِهِ، ويتأخَّر(14) الظُّهر في شِدَّة الحرِّ، قال أبو حنيفةَ وأصحابُهُ وأحمدُ وإِسْحَاقُ، وقال الشَّافعيُّ: يُبرد بالظُّهر في شدَّة الحرِّ إذا كان المسجد يُنْتَابُ مِن بُعْدِ(15)، فأمَّا(16) مَن صَلَّاها في بيتِهِ وفي(17) جماعةٍ بفناء بيتِه فيُصَلِّيها في أوَّل وقتها. وذهبتْ طائفةٌ إلى تعجيل الظُّهر في الحرِّ وغيرِه في أوَّل وقتها، ولم يقولوا بالإبراد، وسأُبَيِّن قول عُمَرَ في(18) الباب بعد هذا إن شاء الله تعالى [خ¦539]، ومعنى قولِه: (فَيْءَ التُّلُولِ) يُرِيدُ(19) كلَّ شيءٍ بارزٍ على وجه الأرض ِمِن حَجَرٍ أو نباتٍ أو غيرِه فهو تلٌّ. فإن قيل: إنَّ أوَّل النَّهار للتُّلُول فيءٌ أيضًا(20). قيل: إذا طلعت الشَّمس يكون ظلُّ كلِّ شيءٍ ممدودًا(21) إلى جهة المغرب، فلا(22) يزال الظلُّ يقصر حتَّى تقف الشَّمس في وسط السَّماء، فإذا وقفت قصُر ظلِّ كلِّ شيءٍ حذاءً وخاصَّة في الحجاز في زمن القيظ، فليس لشيءٍ(23) ذلك الوقت ظلٌّ، فلا تجوز الصَّلاة(24) حينئذٍ، فإذا زالت الشَّمس، وفاءَ الفيءُ: امتدَّ كلُّ شيءٍ إلى جهة المشرق، وبدا للتُّلُول فيءٌ ولا يبدو لها في الحجاز إلَّا بعد تمكُّن الوقت.
          والفَيْحُ: سُطُوع الحرِّ، في(25) كتاب «العين».


[1] في (م): ((أبو هريرة وابن عمر أنَّ النَّبيَّ)). في المطبوع و(ص): ((أبو هريرة عن الرَّسول)).
[2] في (ص) صورتها: ((فاشتكت)).
[3] في المطبوع و(م) و(ص): ((نفس)) في الموضعين.
[4] في (م): ((البرد)).
[5] في (ص): ((فيه)).
[6] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[7] في (م): ((رسول الله صلعم)).
[8] في (م): ((فإذا اشتدَّ فأدبروا)).
[9] في (ص): ((قال)).
[10] في (م): ((رواية عن عمر بذلك وعن أبي هريرة)).
[11] في (م): ((قال)).
[12] في (م): ((قال)).
[13] قوله: ((عنه)) ليس في (م).
[14] في المطبوع و(م): ((وبتأخير)).
[15] في المطبوع و(ص): ((البعد)).
[16] في (ص): ((وأما)).
[17] في المطبوع و(ص): ((بيته أو في)).
[18] في (م): ((قولهم في)).
[19] زاد في (ص): ((ظلِّ)).
[20] في (م): ((للتُّلُول أيضًا فيء)).
[21] في (م) و(ص): ((ممتدًّا)).
[22] في (م): ((ثمَّ)).
[23] زاد في المطبوع و(ص): ((في)).
[24] في (م): ((فلا يجوز أن يصلِّي)).
[25] في (م): ((من)).