شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من أدرك من الصلاة ركعة

          ░29▒ باب مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاةِ.
          فيه: أَبو هُرَيْرَةَ أَنَّ النبيَّ صلعم قَالَ: (مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاةِ، فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاةَ). [خ¦580]
          اختلف العلماء في تأويل هذا الحديث، فقالت طائفة: معناه من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك فضل(1) الجماعة، واستدلوا على ذلك بأنَّ الساعي إلى الصلاة ومنتظرها في صلاة، وبما رُوي عن أبي هريرة أنَّه قال: إذا انتهى إلى القوم وهم قعود في آخر صلاتهم، فقد دخل في التضعيف، وإذا انتهى إليهم(2) وقد سلَّم الإمام ولم يتفرَّقوا فقد دخل في التضعيف(3)، يعني الدرجات السبع وعشرين(4). وقال عطاء: كان يُقال: إذا خرج من بيتِه وهو ينويهم، فقد دخل في التضعيف، وعن أبي وائل، وشريك: من أدرك التشهُّد فقد أدرك فضلها،(5) والفضائل لا تُدرك بقياس. وقال آخرون: معنى هذا(6) الحديث أنَّ(7) مدرك ركعة من الصلاة مدرك لحكمها كلِّه، وهو كمن أدرك جميعها فيما يفوتُه من سهو الإمام وسجودِه لسهوِه وإن لم يدركْه معَه، وأنَّه لو أدرك وهو مسافر ركعة من صلاة مقيم لزمَه حكم المقيم في الإتمام، وهذا قول مالك وجماعة. والدليل على أنَّه أراد حكمَ الصلاة لا فضلَها، /
          قولُه: ((من فاتَه التأمين، فقد فاتَه خير كثير))، وهذا الحديث يدلُّ أنَّه من لم يدرك ركعة من الصلاة فلا مدخل له في حكمها، إلَّا أنَّ العلماء اختلفوا في دليل هذا الحديث، فذهب مالك، والثوريُّ، والأوزاعيُّ، والليث، وزفر، ومحمد، والشافعيُّ، وأحمد إلى أنَّ من أدرك ركعة من الجمعة أضاف إليها أخرى، وقال أبو حنيفة، وأبو يوسف: إذا أحرم في الجمعة قبل سلام الإمام صلَّى ركعتين، وهو قول النَّخَعِي، والحكم، وحمَّاد، واحتجَّوا بقولِه صلعم: (فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فاقضوا). والذي فاتَه ركعتان لا أربع، والقول الأول أولى؛ لأنَّه إذا لم يدرك ركعة من الجمعة لم يدرك شيئًا منها، ومن لم يدرك منها شيئًا صلَّى أربعًا بإجماع، وقد سُئل ابن شهاب عن من أدرك التشهد يوم الجمعة(8)، قال(9): يُصلي أربعًا، واستشهد بهذا الحديث، وقال: هي السنَّة، وفي دليل هذا الحديث ردٌّ على عطاء ومكحول وطاوس ومجاهد في قولهم: إنَّ من فاتتْه الخطبة يوم الجمعة أنَّه يصلي أربعًا، وقالوا: إنَّ الجمعة إنَّما قصرت من أجل الخطبة، وذهب مالك وجماعة من الفقهاء إلى أنَّه يصلي ركعتين مع الإمام لأنَّه أدركها(10) كلَّها، واحتجَّ الطحاويُّ لهذا القول، فقال: لا يختلفون(11) أنَّه لو شهد الخطبة، ثمَّ أحدث فذهب يتوضَّأ، ثمَّ جاء وأدرك(12) مع الإمام ركعة، أنَّه يصلي ركعتين، فلما كان(13) فوات الركعة لا يمنعُه فعل(14) الجمعة، كانت الخطبة أحرى بذلك، فدلَّ على(15) بطلان قول عطاء. وفيه أيضًا ردٌّ على أبي حنيفة والثوريِّ والأوزاعيِّ والشافعيِّ وأحمد في قولهم: أنَّ من أدرك التشهد من المسافرين(16) خلف إمام مقيم لزمَه الإتمام، ومالك إنَّما راعى(17) إدراك ركعة معَه، بدليل هذا الحديث، وهو قول النَّخَعِي، والحسن، وكذلك راعى مالكٌ(18) إدراك الركعة في وجوب سهو الإمام على المأموم، ومذهبُه في ذلك أنَّ سجدتي السهو إن كانتا قبل السلام سجدهما معَه، وإن كانتا بعد السلام لم يسجدهما معَه وسجدهما إذا أتمَّ صلاتَه، وهو قول الأوزاعيِّ والليث، وقال أبو حنيفة والشافعيُّ: إذا أدرك التشهد وأحرم قبل سلام إمامِه لزمَه أن يسجد معَه للسهو(19)، ومالكٌ أسعد الناس باستعمال نصِّ هذا الحديث ودليلِه. ومن قول مالك أيضًا: أنَّه من لم يدرك ركعة من صلاة الجماعة ممَّن صلاها وحدَه في بيتِه لم يَعدَّها، وقال أيضًا: من أدرك ركعة من صلاة الجماعة لم يصلِّ تلك الصلاة في جماعة.


[1] زاد في (ق): ((صلاة)).
[2] في (ق) و(م): ((إلى القوم)).
[3] قوله ((وإذا انتهى إليهم وقد سلَّم الإمام ولم يتفرَّقوا فقد دخل في التضعيف)) ليس في (ز) وهي مثبتة من باقي النسخ.
[4] قوله: ((يعني الدرجات السبع وعشرين)) ليس في (م)، و في (ق): ((يريد السبع والعشرين درجة)).
[5] زاد في (م)و(ق): ((قالوا)).
[6] قوله ((هذا)) ليس في (م).
[7] في (م): ((وقال آخرون: معناه أن)).
[8] قوله: ((يوم الجمعة)) ليس في (ص).
[9] في (م): ((فقال)).
[10] في (م) صورتها: ((مع الإمام وتداركها)).
[11] في (م) و(ق): ((كلها، قال [في (ق): ((وقال)).] الطحاوي لا يختلفون)).
[12] في (م) و(ق): ((فأدرك)).
[13] في (م): ((كانت)).
[14] في (ق): ((فضل)).
[15] زاد في (م): ((ذلك)).
[16] في (ص): ((المسافر)).
[17] في (ق): ((يراعي)).
[18] قوله: ((مالك)) ليس في (م).
[19] قوله ((إذا أدرك التشهد وأحرم قبل سلام إمامِه لزمَه أن يسجد معَه للسهو)) ليس في (م).