شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب إثم من فاتته العصر

          ░14▒ باب: إِثْمُ مَنْ فَاتَتْهُ صَلاة الْعَصْرُ(1).
          فيه: ابْن عُمَرَ قال: (قال رَسُولُ اللهِ صلعم: الَّذِي تَفُوتُهُ صَلاةُ الْعَصْرِ، كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ). [خ¦552]
          قال أبو عبد الله(2) بن أبي صُفرة: إنمَّا وجب(3) التعظيم لصلاة العصر وقصدها بالخطاب دون(4) غيرها _وإن كانت داخلة في قولِه تعالى: {حَافِظُواْ على الصَّلَوَاتِ}[البقرة:238]_ اجتماع(5) المتعاقبين من الملائكة فيها، وإنَّما أراد ◙ فواتها في الجماعة، لا فواتها باصفرار الشمس أو مغيبها(6)؛ لما يفوتُه من صلاتها في الجماعة من(7) حضور الملائكة فيها، فصار ما يفوتُه من هذا المشهد(8) العظيم الذي يجتمع فيه ملائكة الليل، وملائكة النهار أعظم من ذهاب أهلِه ومالِه، فكأنَّه قال: الذي يفوتُه هذا المشهد الذي أوجب البركة(9) للعصر كأنَّما وتر أهلَه ومالَه، ولو كان(10) فوات وقتها كلِّه(11) باصفرار أو غيبوبة / لبطل الاختصاص(12) لأنَّ ذهاب الوقت كلِّه موجود في كلِّ صلاة بهذا المعنى، فسرَّه ابن وهب، وابن نافع، وذكرَه ابن حبيب(13) عن مالك، وابن سحنون عن أبيه، قال(14) ابن حبيب: وهو مثل حديث يحيى بن سعيد: (إن الرجل ليصلي الصلاة وما فاتتَه، ولما فاتَه من وقتها أكثر من أهلِه ومالِه)، يريد أنَّ الرجل ليصلي الصلاة في الوقت المفضول ولما(15) فاتَه من وقتها الفاضل، الذي مضى عليه اختيار النبيِّ صلعم وأبي بكر وكتب به عمر إلى عمَّالِه، أفضل من أهلِه ومالِه، وليس في الإسلام حديث يقوم مقام هذا الحديث لأنَّ الله تعالى قال: {حَافِظُواْ على الصَّلَوَاتِ(16)}[البقرة:238]، ولا يوجد حديث فيه تكييف المحافظة غيره.
          وقوله(17): (وتر أهلَه ومالَه) أي: سلب ذلك، قال صاحب «العين»: الوتر والتِّرة: الظلم في الدم، يُقال منه: وُتِرَ(18) الرجلُ وترًا وتِرَةً. فمعنى وُتر أهلَه ومالَه أي: سُلب ذلك وحُرِمَهُ، فهو أشدُّ لغمِّه وحُزنِه؛ لأنَّه لو مات أهلُه وذهب مالُه من غير سلبٍ لم تكن مصيبةُ ذلك عندَه بمنزلة السَّلب؛ لأنَّه يجتمع عليه في ذلك غَمَّان: غمُّ ذهابهم وغمُّ الطلب بوترهم. وإنَّما مثَّلَه صلعم في ما يفوتُه من عظيم الثواب بالذي حُرم أهلَه ومالَه، فبقي لا أهلَ له ولا مال، وأصلُه من الوتر وهو الذَّحْل، يُقال منه: وَتَرَهُ يَتِرُهُ وَتْرًا وتِرَةً(19)، و(الوِتْر) _بكسر الواو_ اسم لا مصدر(20)، وقد يُحتمل أن يكون عنى بقولِه: (فكأنَّما(21) وتر أهلَه ومالَه)، أي نقص ذلك(22) وأفرد منه، من قوله تعالى(23): {وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}[محمد:35]، أي: لن(24) ينقصكم، والقول الأوَّل أشبه بمعنى الحديث، والله أعلم.


[1] في (م): ((من فاته العصر)).
[2] في (ص): ((أبو عبيد الله)).
[3] في (م): ((أوجب)).
[4] في (م): ((من)).
[5] في (ص): ((لاجتماع)).
[6] في (م): ((ومغيبها)).
[7] قوله: ((صلاتها في الجماعة من)) ليس في (م).
[8] في (م): ((المسجد)).
[9] في (م): ((البركية)).
[10] زاد في (م): ((وقت)).
[11] قوله: ((كله)) ليس في (ص).
[12] في (م): ((اختصام العصر)).
[13] زاد في (م): ((عن مطرف)).
[14] في (م): ((وقال)).
[15] في (م): ((ولأن ما)).
[16] زاد في (م): ((والصلاة الوسطى)).
[17] في (ص): ((قوله)).
[18] في (م): ((وترت)).
[19] قوله: ((يتره وترا وترة)) ليس في (م), قوله: ((وترًا وترة)) ليس في (ص).
[20] في (م): ((اسم للمصدر)).
[21] قوله: ((فكأنما)) ليس في (ص).
[22] قوله: ((ذلك)) ليس في (ص).
[23] في (م): ((وقد يحتمل أن يكون «على وتر»: أي: نقص ذلك من قوله ╡)).
[24] قوله: ((لن)) ليس في (م).