شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب فضل العشاء

          ░22▒ باب فَضْلِ الْعِشَاءِ.
          فيه: عَائِشَة قَالَتْ(1): (أَعْتَمَ رَسُولُ اللهِ صلعم لَيْلَةً بِالْعِشَاءِ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفْشُوَ الإسْلامُ، فَلَمْ يجئْ حَتَّى قَالَ عُمَرُ: نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، فَخَرَجَ فَقَالَ لأهْلِ الْمَسْجِدِ: مَا يَنْتَظِرُهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأرْضِ غَيْرَكُمْ). [خ¦566]
          وفيه: أَبو مُوسَى قَالَ: (اشْتَغْلَ النبي صلعم فِي بَعْضِ أَمْرِهِ، فَأَعْتَمَ بِالصَّلاةِ، حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ، ثُمَّ خَرَجَ ◙ فَصَلَّى بِهِمْ، فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ، قَالَ لِمَنْ حَضَرَهُ: على رِسْلِكُمْ أَبْشِرُوا إِنَّه مِنْ نِعْمَةِ اللهِ عَلَيْكُمْ، أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يُصَلِّي هَذِهِ السَّاعَةَ(2) غَيْرُكُمْ)(3). [خ¦567]
          فيه(4): إباحة تأخير العشاء إذا عَلم أنَّ بالقوم قوةً على انتظارها ليحصلوا على فضل(5) الانتظار ثم الصلاة؛ لأنَّ المنتظر للصلاة في صلاة، وهذا لا يصلح اليوم لأئمَّتنا لأنَّ النبي صلعم لما أمر الأئمَّة بتخفيف الصلاة وقال: ((إنَّ فيهم الضعيف والسقيم وذا الحاجة))، كان ترك التطويل عليهم في انتظارها أولى. وقد(6) روى مجالد عن عامر عن جابر قال: ((أبطأ رسول الله صلعم ذات ليلة عن صلاة العشاء حتَّى ذهب هويٌّ من الليل، / حتَّى نام بعض من كان في المسجد، ثمَّ خرج فقال: لولا ضعف الضعيف وبكاء الصغير لأخَّرت العشاء إلى عتمة من الليل)) ذكرَه الطبريُّ. وتأخيرُه(7) صلعم الصلاة إلى هذا الوقت من الليل، إنَّما كان من أجل الشغل الذي منعَه منها، ولم يكن ذلك من فعلِه عادة، وقد جاء في بعض طرق هذا الحديث معنى شغلِه(8) ما كان روى الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: ((جهَّز رسول الله صلعم ذات ليلة جيشًا حتى قرب نصف الليل أو بلغه(9)، خرج إلينا رسول الله صلعم فقال: قد صلَّى الناس ورقدوا، وأنتم تنتظرون الصلاة، أما إنَّكم لم(10) تزالوا في صلاة ما انتظرتموها)). وروى(11) زرُّ(12) بن حبيش عن ابن مسعود قال: ((خرج علينا رسول الله صلعم ونحن ننتظر العشاء فقال لنا: ما على الأرض أحدٌ من أهل الأديان ينتظر هذه الصلاة في هذا الوقت غيركم))، فنزلت: {لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ}[آل عِمْرَان:113]، وليسوا(13) كالمشركين الذين يجحدون ذلك كلَّه، ذكرَه الطبريُّ.
          وقوله: (ابْهارَّ اللَّيْلُ): انتصف، عن ابن السِّكيت، والبهرة: الوسط من الإنسان(14) والدَّابَّة وغيرهما(15)، يُقال(16): ابهارَّ النهار(17) حين ترتفع الشمس، ويُقال(18): ابهارَّ الليل: ذهب(19) عامتُه، وبقي نحو من ثلثِه، وقد ابهارَّ عليه(20) الليل: أي: طال. وقال سيبويه: لا نتكلَّم بابهارَّ إلَّا مزيدًا وهو في القمر.
          وقال(21) أبو سعيد الضرير: قد يبهارُّ الليل قبل أن ينتصف(22)، وابهرارُه طلوع نجومِه إذا تتامَّت، لأنَّ الليل إذا أقبل أقبلت فحمتُه، فإذا تطالعت نجومُه واشتبكت ذهبت تلك الفحمة، والباهر الممتلئ نورًا، قال الأعشى:
حكمتموه فقضـى بينكـم                     أبلـج مثـل القمر الباهـر(23)
          وقال صاحب «العين»: أعتم القوم وعتموا: إذا صاروا(24) في العتمة أو وردوا(25).


[1] قوله: ((قالت)) ليس في (م)و(ق).
[2] في (ص): ((هذه الصلاة)).
[3] زاد في (م): ((الحديث)).
[4] في (م): ((وفيه)).
[5] في (م): ((فيحصلوا فضل)).
[6] في (ق): ((قد)).
[7] في (م): ((وتأخره)).
[8] في (م) و(ق): ((المعنى الذي شغله)).
[9] في (م): ((أو ثلثه)).
[10] في (م) و(ق): ((لن)).
[11] في (م): ((روى)) بلا واو.
[12] قوله ((زر)) ليس في (ق).
[13] في (ق): ((ليسوا)) بلا واو.
[14] في (م): ((الناس)).
[15] في (م): ((وغيرها)).
[16] في (ق): ((وقال)).
[17] زاد في (م) و(ق): ((وذلك)).
[18] زاد في (م): ((تارة))، و في (ق): ((وقال مرة)).
[19] في (م) و(ق): ((ذهبت)).
[20] في (م)و(ق): ((علينا)).
[21] في (ق): ((قال)) بلا واو.
[22] في (ق): ((ينصف)).
[23] في (ق): ((أفلحُ مثل القمري الباهريِّ)).
[24] في (م) و(ق): ((ساروا)).
[25] في (ق): ((أو رقدوا)).