شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس

          ░30▒ باب: الصَّلاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ.
          فيه: عُمَرُ (أَنَّ النَّبِيَّ صلعم، نَهَى عَنِ الصَّلاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَشْرُقَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ). [خ¦581]
          وفيه: ابْنُ عُمَرَ أنَّ النبيَّ صلعم قَالَ: (لا تَحَرَّوْا بِصَلاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلا غُرُوبَهَا، وإِذَا(1) طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلاةَ حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلاةَ حَتَّى تَغِيبَ). [خ¦582] [خ¦583]
          وفيه: أبو هريرة: (أَنَّ النبيَّ صلعم نَهَى عَنِ الصَّلاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ) الحديثَ. وترجم لحديث ابن عمر وأبي هريرة. [خ¦584]
          ░31▒ باب: لا تُتَحَرَّى الصَّلاةُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ.
          وزاد فيه: قال معاوية: (إنَّكم لتصلُّون صلاة لقد صحبنا رسول الله صلعم فما رأيناه يُصليهما(2)، ولقد نهى عنهما(3)، يعني الركعتين بعد العصر(4)). [خ¦587]
          اختلف العلماء في تأويل نهيه صلعم، عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، فقال مالك: المراد بذلك النافلة دون الفرض(5)، والفرائض الفائتة تُصلَّى أيَّ وقت ذُكرت؛ لقولِ النبيِّ صلعم: ((من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس، وأدرك(6) ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك الصلاة))، ومعلوم أنَّه إذا(7) أدرك ركعة، فلا يقع إتمام الصلاة إلَّا في الوقت المنهي عنه، فدلَّ ذلك على ما قلناه(8)، وهو قول أحمد وإسحاق. وقال الشافعيُّ: المراد به النافلة المبتدأة، وأمَّا الصلوات المفروضات والمسنونات، أو ما كان يُواظب عليه من النوافل فلا، واحتجَّ بالإجماع على صلاة الجنازة، وبحديث عائشة أنَّ النبي صلعم قضى الركعتين بعد العصر. وقال الكوفيون: المراد / بذلك النوافل، ويقضي الفرائض في هذين الوقتين، وأمَّا إذا برزت الشمس قبل أن ترتفع، وإذا تدلَّت للغروب قبل أن تغرب، فلا يجوز أن تصلي فيها(9) نافلة، ولا فريضة(10)، ولا على جنازة إلَّا عصر يومِه خاصَّة؛ لقولِه صلعم: ((من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس))، وقد تقدَّم الردُّ عليه في أوَّل هذا الباب مع قول مالك(11)، وفي باب من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب بما فيه كفاية. وقد رُوي عن جماعة من السَّلف قول آخر، قالوا:(12) نهى النبي صلعم عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، فأماَّ ما لم يبدُ حاجب الشمس للطلوع ولم يتدلَّ للغروب فالصلاة جائزة، وحجُّتهم حديث ابن عمر أنَّ النبي صلعم قال: ((لا يتحرَّى أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها))، وقولُه صلعم: (إذا طلع حاجب الشمس فأخِّروا الصلاة حتَّى ترتفع، وإذا غاب حاجب الشمس فأخِّروا الصلاة حتَّى تغيب(13)). وروي هذا القول عن عليِّ بن أبي طالب وابن مسعود وبلال وأبي أيوب وأبي الدرداء وابن عمر وابن عباس، وعن أصحاب عبد الله مثلُه، وتأوَّلوا(14) أنَّ المراد بالنَّهي عن الصلاة: هذان الوقتان خاصَّة، ألَا ترى قول ابن عمر: ((أُصلي كما رأيت أصحابي يصلُّون، لا أنهى أحدًا يُصلي بليل أو نهار(15) ما(16) شاء، غير ألَّا تحرَّوا بصلاتكم(17) طلوع الشمس ولا غروبها)). واحتج من أجاز صلاة(18) الفرض في هذين الوقتين بقولِه صلعم: ((لا تحرَّوا بصلاتكم))(19)، وهذا يقتضي من يبتدئ صلاتَه(20) ذلك الوقت ويقصدُه، وأمَّا من انتبَه من نومِه أو ذكر من نسيانِه، فلا يدخل في النهي لأنَّه ليس بقاصد ولا متحرٍّ لذلك، وقولُه صلعم: ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصلِّها إذا ذكرها(21))) يعارض النهي، ويبيِّن أنَّه ليس بمتحرٍ لها من فاتتْه، وإنِّما المتحري القاصد إليها بتطوعه أو فرضه(22). قال المُهَلَّب: ومعنى كراهية(23) الصلاة(24) في هذين الوقتين أنَّ قومًا كانوا يتحرَّون طلوع الشمس وغروبها، فيسجدون لها عِبَادةً من دون الله، فنهى(25) صلعم، عن مماثلتهم، وعن أوقاتهم المعهودة.


[1] في (ق): ((فإذا)).
[2] في (ق): ((يصليها)).
[3] في (ق): ((عنها)).
[4] في (م): ((الفجر)).
[5] في (م) و(ق): ((الفريضة)).
[6] في (م) و(ق): ((أو أدرك)).
[7] في (ق): ((إن)).
[8] في (م) و(ق): ((قلنا)).
[9] في (م): ((يصلي فيه)).
[10] في (ص): ((فيه فريضة ولا نافلة)).
[11] في (م) و(ق): ((الرد عليه مع قول مالك في أول هذا الباب)).
[12] زاد في (م) و(ق): ((إنما)).
[13] قوله: ((ترتفع، وإذا غاب حاجب الشمس فأخَّروا الصلاة حتَّى)) ليس في (م).
[14] في (ق): ((وقالوا)).
[15] في (م)و(ق): ((بليل ونهار)), في (ص): ((بليل ولا نهار)).
[16] في (ق): ((متى)).
[17] قوله: ((بصلاتكم)) ليس في (م)و(ق).
[18] في (م): ((الصلاة)).
[19] زاد في (م) و(ق): ((قالوا)).
[20] في (م)و(ق): ((صلاة)).
[21] قوله: ((إذا ذكرها)) ليس في (ص).
[22] قوله: ((وإنِّما المتحري القاصد إليها بتطوعه أو فرضه)) ليس في (م).
[23] في (م): ((كراهته)).
[24] قوله: ((أنَّه ليس بمتحرٍ لها من فاتتْه، وإنِّما المتحري القاصد إليها بتطوعه أو فرضه، قال المُهَلَّب: ومعنى كراهية الصلاة)) ليس في (م).
[25] زاد في (م): ((النبي)).