شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب وقت العصر

          ░13▒ باب وَقْتِ الْعَصْرِ.
          فيه: عَائِشَة: (أَنَ النبي صلعم كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ، وَالشَّمْسُ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ حُجْرَتِهَا). [خ¦544]
          وقال مرَّة: (لَمْ يَظْهَرِ الْفَيْءُ مِنْ حُجْرَتِهَا)(1). [خ¦545]
          وفيه: أبو برزة(2): (أنَ النَّبِيُّ صلعم كان يُصَلِّي صَلاةَ(3) الْعَصْرِ، ثُمَّ يَرْجِعُ أَحَدُنَا إلى رَحْلِهِ فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ، وَالشَّمْسُ مرتفعة حَيَّةٌ). [خ¦546]
          وفيه: أَنَس: (كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ، ثُمَّ يَخْرُجُ الإنْسَانُ إلى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَنَجِدُهُمْ(4) يُصَلُّونَ الْعَصْرَ). [خ¦548]
          وفيه: أبو أمامة قال: (صَلَّيْنَا مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الظُّهْرَ، ثُمَّ خَرَجْنَا، حَتَّى دَخَلْنَا على أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَوَجَدْنَاهُ يُصَلِّي الْعَصْرَ، فَقُلْتُ(5): يَا عَمِّ مَا هَذِهِ الصَّلاةُ الَّتِي صَلَّيْتَ؟ قَالَ: الْعَصْرُ، وَهَذِهِ صَلاةُ رَسُولِ اللهِ صلعم الَّتِي كُنَّا نُصَلِّي مَعَهُ). [خ¦549]
          وفيه: أنس قال: (كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ، فيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إلى قُبَاءٍ، فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ). [خ¦551]
          وقال مرَّة: (كَنا نُصَلِّي الْعَصْرَ، وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ، فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إلى الْعَوَالِي، فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، وَبَعْضُ الْعَوَالِي مِنَ الْمَدِينَةِ على أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ، أَوْ نَحْوِهِ(6)). [خ¦550]
          هذا الباب كلُّه يدلُّ على تعجيل العصر وأنَّه السنَّة، واختلفوا في أوَّل وقت العصر، فقال مالك والثوريُّ(7) وأبو يوسف ومحمد وأحمد وإسحاق وأبو ثور(8): أوَّلُ وقت(9) العصر إذا صار ظلُّ كلِّ شيء مثلُه، وقال الشافعيُّ: أوَّلُه(10) إذا جاوز ظلُّ كلِّ شيءٍ مثلَه بشيء ما، حتَّى ينفصل من آخر وقت الظهر على ما تقدَّم في الباب قبل هذا. وقال أبو حنيفة: أوَّل وقت العصر أن يصير الظلُّ قامتين بعد الزوال، ومن صلَّى العصر قبل ذلك لم يجز(11)، فخالف الآثار، وخالفَه أصحابُه، ووقت القامتين آخر وقت العصر المختار عند مالك في رواية ابن عبد الحكم عنه، وفي «المدونة»: لم يكن مالك يذكر القامتين في(12) العصر ولكنه كان يقول: والشمس بيضاء نقيَّة. واختلفوا في التعجيل بصلاة العصر / وتأخيرها، فذهب أهل العراق إلى أنَّ تأخيرها أفضل، واحتجُّوا بما رُوي عن ابن مسعود وأبي هريرة(13) أنَّهم كانوا يؤخِّرونها حتَّى تصفَّر الشمس، وكان عليٌّ يؤخِّرها حتَّى ترتفع الشمس على الحيطان، وقال أبو قِلابة وابن شُبْرُمَة: إنَّما سُمِّيت العصر لتعتصر، وهو قول النَّخَعِي، وممَّن كان يعجِل العصر عُمَر بن الخطاب، وكتب إلى عمَّاله: أن صلُّوا العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقيَّة، قدر ما يسير الراكب فرسخين أو ثلاثة، وكان ابنُه عبد الله يصليها والشمس بيضاء نقيَّة يُعجِّلها مرَّة، ويؤخِّرها أخرى(14). وروى هشام بن عروة(15) قال: قدم رجل على المغيرة بن شعبة، وهو على الكوفة(16)، فرآه يؤخِّر العصر، فقال(17): لمَ تؤخِّر العصر، وقد كنت أصليها(18) مع النبيِّ صلعم ثم أرجع(19) إلى أهلي إلى(20) بني عَمْرو بن عوف والشمس مرتفعة حيَّة؟ وأحاديث(21) هذا الباب تدلُّ على تعجيل صلاة(22) العصر(23)، ألا ترى قول عائشة ♦ أنَّ النبيَّ صلعم كان يصلِّي العصر والشمس لم تخرج من حجرتها، ولا تكون الشمس في قعر الحجرة على قصر حيطانها(24)، إلَّا في أوَّل وقت العصر، وقول أنس، وأبي برزة(25): كنَّا نصلِّي العصر، ثمَّ يرجع أحدنا إلى رحلِه والشمس مرتفعة حيَّة، يدلُّ على تعجيلها أيضًا؛ لأنَّ حياة الشمس أن تجد حرَّها، وقول أنس: فيذهب(26) الذاهب إلى العوالي والشمس مرتفعة،(27) ولا يكون ذلك إلَّا في أوَّل وقتها. قال أبو سليمان(28) الخطابي(29): حياتها: صفاء لونها قبل أن تصفرَّ أو تتغيَّر. وقول أنس: (كنَّا نصلِّي العصر فيذهب الذاهب إلى قباء، فيأتيهم والشمس مرتفعة)، فالصحيح فيه: العوالي، وكذلك رواه أصحاب ابن شهاب كلُّهم غير مالك في «الموطأ»، فإنَّه تفرد(30) بذكر قباء، قال البزَّار: والصواب ما اجتمعت عليه الجماعة، وهو(31) ممَّا يُعدُّ على مالك أنَّه وهم فيه(32). قال المؤلف: وقد روى(33) خالد بن مخلد، عن مالك: ((إلى العوالي)) كما رواه أصحاب ابن شهاب، ذكرَه الدارقطنيُّ، فلم يَهم فيه مالك(34). والعوالي من المدينة على أربعة أميال، ولا يأتونها بعد صلاتهم العصر مع النبيِّ صلعم، ويجدون الشمس مرتفعة حيَّة، إلَّا وقد صلَّاها الرسول ◙ بهم(35) في أوَّل الوقت، وهذا لا يكون إلَّا في الصيف في(36) طول النهار، وهذا مستغنى عن الاحتجاج(37) لوضوحِه. وقول أبي أمامة: ((صلينا مع عُمَر بن عبد العزيز الظهر، ثمَّ خرجنا حتَّى دخلنا على أنس بن مالك، فوجدناه يصلي العصر))، قال: هذا يدلُّ على(38) تأخير عمر الظهر(39) عن وقتها المستحبِّ، كما أخَّر صلاة(40) العصر حين أنكر ذلك عليه عروة بن الزبير، ورُوي(41) أنَّ بني أمية كانوا يؤخِّرون الصلاة(42) عن أوائل الوقت(43) وكان ذلك عادتهم. وقول أنس: (هذه صلاة رسول الله صلعم التي كنَّا نصليها معَه)، يدلُّ على أنَّ سنَّتَه(44) تعجيل العصر في أوِّل وقتها كما ثبت في سائر أحاديث هذا الباب.
          وقوله: (حين(45) تدحض الشمس)، يعني حين(46) تزول الشمس، وأصل الدحض: الزلق، يُقال(47): دحض يدحض دحضًا: إذا زلق، والدحض: ما(48) يكون عند الزلق، من كتاب «العين». والتهجير(49) والهاجرة: وقت شدِّة الحرِّ. قال(50) أبو حنيفة: سُمِّيت الهاجرة هاجرة، لهرب كلِّ شيء منها(51).


[1] قوله: وقال مرَّة: ((لَمْ يَظْهَرِ الْفَيْءُ مِنْ حُجْرَتِهَا)) ليس في (م) و(ق).
[2] في (ص): ((أبو هريرة)).
[3] قوله: ((صلاة)) ليس في (م) و(ق) و(ص).
[4] في (ق): ((فيجدهم)).
[5] في (ص): ((فقلنا)).
[6] في (م): ((ونحوه)), في (ص): ((أو نحوها)).
[7] زاد في (م) و(ق): ((والأوزاعي)).
[8] في (م): ((وأبو يوسف ومحمد وإسحاق وأبو ثور وأحمد)).
[9] في (م): ((ظل)).
[10] في (ق): ((أول وقته)).
[11] في (م) و(ق): ((يجزه)).
[12] زاد في (م) و(ق) و(ص): ((وقت)).
[13] قوله: ((وأبي هريرة)) ليس في (م) و(ق).
[14] قوله: ((ويعجِّلها مرَّة، ويؤخِّرها أخرى)) ليس في (م).
[15] زاد في (م) و(ق): ((عن أبيه)).
[16] في (م) و(ق): ((وهو بالكوفة)).
[17] زاد في (م): ((له)).
[18] في (م): ((صليتها)).
[19] في (م): ((وأرجع)).
[20] في (م) و(ق): ((في)).
[21] في (م): ((فأحاديث)).
[22] قوله: ((صلاة)) ليس في (م) و(ص).
[23] قوله: ((وأحاديث هذا الباب تدلُّ على تعجيل صلاة العصر)) ليس في (ق)، وزاد فيها: ((فقول من رأى تعجيلها أولى بشهادة السنن الثابتة له))، وزاد في (م): ((فنقول: من رأى تعجيلها أو أن الشهادة السنن الثابتة)).
[24] في (م): ((الحيطان)).
[25] في (م): ((العصر وكذلك قول أبي برزة وأنس)).
[26] في (م): ((يذهب)).
[27] قوله: ((وقول أنس: فيذهب الذاهب إلى العوالي والشمس مرتفعة)) ليس في (ق).
[28] قوله: ((ولا يكون ذلك إلَّا في أوَّل وقتها. قال أبو سليمان)) ليس في (م).
[29] في (م) و(ق): ((وقال الخطابي)).
[30] في (م) و(ق): ((انفرد)).
[31] في (ق): ((وهذا)).
[32] زاد في (ص): ((وقوله: تفرد مالك بذكر قباء ليس بصحيح وقد تابعه على ذلك ابن أبي ذئب من رواية الشافعي ذكره الباجي في شرح الموطأ فتأمله فهو صحيح إن شاء الله)).
[33] في (م) و(ق): ((رواه)).
[34] قوله: ((مالك)) ليس في (م)، و قوله: ((فلم يهم فيه مالك)) ليس في (ق).
[35] في (ق): ((صلاها بهم ◙)).
[36] في (ق): ((و)).
[37] زاد في (م): ((له)).
[38] في (م): ((العصر، فدل هذا أنَّ)).
[39] في (م): ((للظهر)).
[40] قوله: ((صلاة)) ليس في (م).
[41] في (م): ((وقد روي)).
[42] في (م): ((الصلوات)).
[43] في (م): ((أوقاتها)).
[44] في (م): ((فدل أن السنة)).
[45] قوله: ((حين)) ليس في (م).
[46] قوله: ((حين)) ليس في (م).
[47] قوله: ((يقال)) ليس في (م).
[48] في (م): ((مما)).
[49] في (م): ((والهجير)).
[50] في (م): ((وقال)).
[51] زاد في (م): ((وهي قبل الظهير بقليل)).