شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب وقت المغرب

          ░18▒ باب: وَقْتُ الْمَغْرِبِ.
          وَقَالَ عَطَاءٌ: يَجْمَعُ الْمَرِيضُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ.
          فيه: رَافِع بْن خَدِيجٍ قَالَ: (كُنَّا نُصَلِّي الْمَغْرِبَ مَعَ النَّبِيِّ صلعم فَيَنْصَرِفُ(1) أَحَدُنَا وَإِنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ). [خ¦559]
          وفيه: جَابِر قَالَ(2): (كَانَ النَّبِيُّ صلعم يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ(3)، وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بيضاء(4) نَقِيَّةٌ، وَالْمَغْرِبَ إِذَا وَجَبَتْ(5)، وَالْعِشَاءَ أَحْيَانًا وَأَحْيَانًا إِذَا رَآهُمُ(6) اجْتَمَعُوا عَجَّلَ، وَإِذَا رَآهُمْ أَبْطَئوْا أَخَّرَ، وَالصُّبْحَ كَانُوا أَوْ كَانَ النبي صلعم يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ). [خ¦560]
          وفيه:(7) سَلَمَة قَالَ(8): (كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلعم الْمَغْرِبَ إِذَا تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ). [خ¦561]
          وفيه: ابْن عَبَّاسٍ قَالَ(9): (صَلَّى النَّبِيُّ صلعم سَبْعًا جَمِيعًا، وَثَمَانِيًا جَمِيعًا). [خ¦562]
          أجمع العلماء على أنَّ وقت المغرب غروب الشمس، وذهب مالك والأوزاعيُّ، وأحد قولي الشافعيِّ(10) أنَّ وقت المغرب غروب الشمس، لا يؤخَّر عنه في الاختيار(11)، وذهب أبو حنيفة، والثوريُّ، وأحمد، وإسحاق إلى أنَّ لها وقتين.
          وقد قال مالكٌ في «الموطأ» ما يدلُّ على هذا، قال: إذا غاب الشفق خرج وقت المغرب ودخل وقت العشاء، وقال(12) محمد بن مسلمة، من أصحاب مالك: أول وقت المغرب غروب الشمس، ولمن(13) شاء تأخيرها إلى مغيب الشفق فذلك له، وهو منها في وقت غيرُهُ أحسنُ(14) منه، واحتجَّ الذين قالوا: إنَّ لها وقتين بقوله صلعم: ((إذا حضر العَشاء وأُقيمت الصلاة فابدؤوا بالعَشاء))، وكلُّ(15) ذلك يدلَّ على توسعة(16) الوقتية(17)، قالوا: وقد قرأ فيها النبي صلعم بالطور والصافات والأعراف، والحجَّة لمالك ومن وافقَه أنَّ الروايات لم تختلف في صلاة جبريل بالنبيِّ صلعم فإنَّه(18) صلَّى به العشاء في وقت واحد، وكذلك أحاديث هذا الباب كلُّها تدلُّ على ذلك، ألا ترى أنَّ(19) قول رافع بن خديج: ((كنا ننصرف من المغرب مع رسول / الله صلعم، وأحدنا يبصر مواقع نبلِه))، وقول(20) جابر: ((كان النبيُّ صلعم يصلِّي المغرب إذا وجبت الشمس(21)))، وقال سلمة: ((إذا توارت بالحجاب))، وهذا كلُّه يدل على المبادرة بها عند غروب الشمس. وقال ابن خُوَيْزِمَنْدَادِ: إنَّ الأمصار كلَّها بأسرها لم يزل المسلمون على تعجيل المغرب فيها، ولا نعلم أحدًا أَخَّرَ إقامتها في مسجد جماعةٍ عن غروب الشمس، وفي هذا ما يكفي مع العمل بالمدينة على تعجيلها، ولو كان وقتها واسعًا لعمل المسلمون فيها كسائر(22) الصلوات، مِن أذان المؤذنين واحدًا بعد واحد، والركوع بين الأذان والإقامة لها، فتركهم لذلك(23) دليلٌ على المبادرة لها(24)، وكان عُمَر بن الخطاب(25)☺ يكتب إلى عمالِه: ولا(26) تنتظروا بصلاتكم اشتباك النجوم، وصلُّوها والفجاج مسفرة. وصلَّاها ابن مسعود حين غربت الشمس، وقال: هذا _والذي لا إله إلا هو_ وقت هذه الصلاة، ولم يُروَ عن أحد من الصحابة أنَّه أخَّرها عن هذا الوقت.
          وقوله: (وَالصُّبْحَ كَانُوا أَوْ كَانَ النبي صلعم يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ)، فالمعنى كانوا مع النبيِّ صلعم مجتمعين أو لم يكونوا مجتمعين، فإنَّه صلعم كان يصليها بغلسٍ، ولا يصنع فيها كما(27) كان يصنع في العشاء(28) من تعجيلها إذا اجتمعوا أو تأخيرها إذا أبطئوا، وإنَّما(29) كان شأنُه صلعم التعجيلَ بها أبدًا، وهذا من(30) أفصح الكلام. وفيه حذفان: حذف الخبر(31) (كَانُوا) وهو جائز كحذف خبر المبتدأ كقولِه تعالى: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ}[الطلاق:4]، فالمعنى(32): واللائي لم يحضن فعدَّتهن ثلاثة أشهر، فحذف الجملة التي هي الخبر لدلالة ما تقدَّم عليه، ويحذف خبر لكنَّ أيضًا كقول الشاعر:
فَلَوْ كُنْـتَ ضَبِّيًّا عَرَفْتَ قَرَابَتـِيْ                      وَلَكِنَّ زِنْجِيًّا عَظِيْـمَ المَشَافِـرِ
          المعنى: ولكنَّ زنجيًا عظيم المشافر لا يعرف قرابتي.
          وقوله: أو يعني:(33) لم يكونوا مجتمعين، حذف الجملة التي بعد: أو، مع كونها(34) مقتضية لها كقول ذي الرِّمَّة:
فلما لبسن الليل أو حيـن نصبت                     له من خَدا(35) آذانها وهو جانح
          أراد: أو حين(36) أقبل(37) الليل فحذف: أقبل مع كون حين مقتضية له من حيث هي مضافة إليه، فإذا جاز حذف المضاف إليه مع كونِه كالجزء من المضاف، كان حذف ما بعد أو أقرب لأنه ليس كالجزء منها.


[1] في (م): ((ثم ينصرف)).
[2] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[3] في (م): ((في الهاجرة)).
[4] قوله: ((بيضاء)) ليس في (م)و(ق).
[5] زاد في (م): ((الشمس)).
[6] زاد في (ق): ((قد)).
[7] زاد في (ق) و(ص): ((أبو)).
[8] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[9] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[10] زاد في (م): ((إلى)).
[11] في (م): ((الاعتبار)).
[12] في (م): ((قال)) بلا واو.
[13] في (ق): ((وإن)).
[14] في (ق): ((غير ما حسن)).
[15] في (ق): ((وكأنَّ)).
[16] في (ق) و(م): ((سعة)).
[17] في (م)و(ق): ((الوقت)).
[18] في (م): ((أنه))، و في (ق): ((إذ)).
[19] قوله: ((أن)) ليس في (م).
[20] في (ق) و(م) و(ص): ((وقال)).
[21] قوله ((الشمس)) ليس في (م).
[22] في (م) و(ق): ((فيها كعملهم في سائر)).
[23] في (م) و(ص): ((ذلك)).
[24] في (ق) و(م): ((بها)).
[25] قوله: ((بن الخطاب)) ليس في (م).
[26] في (م)و(ق): ((لا)).
[27] في (م)و(ق): ((ما)).
[28] في (م): ((بالعشاء)).
[29] في (م): ((وإن)).
[30] قوله: ((من)) ليس في (م).
[31] في (ص): ((خبر)).
[32] في (م): ((المعنى)), في (ص): ((والمعنى)).
[33] في (ق): ((تعني))، زاد في (م): ((أو)).
[34] قوله: ((كونها)) ليس في (م).
[35] في (ق): ((خدي)).
[36] في (م) و(ص): ((أراد وحين)).
[37] زاد في (م)و(ق): ((يعني)).