شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الختان بعد الكبر ونتف الإبط

          ░51▒ بَابُ الخِتَانِ بَعْدَ الكِبَرِ وَنَتْفِ الإِبْطِ
          فيه أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ النَّبِيُّ صلعم: (الْفِطْرَةُ خَمْسٌ: الْخِتَانُ، وَالاسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الإبْطِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الأظْفَارِ). [خ¦6297]
          وفيه(1): أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: (اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ ◙ بَعْدَ ثَمَانِينَ سَنَةً، وَاخْتَتَنَ بِالْقَدُومِ)، مُخَفَّفَةً. وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: عَنْ أبي الزِّنَادِ: بِالْقَدُّومِ، وَهُوَ مَوْضِعٌ، وروى الحديث الأوَّل بالتخفيف شعيبٌ، عن أبي الزناد.
          وفيه ابْنُ عَبَّاسٍ: (سُئل: مِثْلُ مَنْ أَنْتَ حِينَ قُبِضَ النَّبِيُّ صلعم؟ قَالَ: أَنَا يَوْمَئِذٍ مَخْتُونٌ، وَكَانُوا لا يَخْتِنُونَ الرَّجُلَ حَتَّى يُدْرِكَ). [خ¦6299] /
          قال(2) ابن القصَّار: الختان سنَّةٌ عند مالكٍ والكوفيِّين، وقال الشافعيُّ: هي فريضةٌ، والدليل لقول مالكٍ والكوفيِّين قوله صلعم: (الفِطْرَةُ خَمْسٌ) فذكر الختان في ذلك، والفطرة السنَّة؛ لأنَّه صلعم جعلها من جملة السنن فأضافها إليها، ولمَّا أسلم سلمان لم يأمره النبيُّ صلعم بالاختتان، ولو كان فرضًا لم يترك أمره بذلك.
          واحتجَّ الشافعيُّ بقوله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إبراهيم حَنِيفًا}[النحل:123]وكان في(3) ملته الاختتان؛ لأنَّه ختن نفسه بالقدوم.
          قيل له: أصل الملَّة الشريعة والتوحيد، وقد ثبت أنَّ في ملَّة إبراهيم فرائض وسننًا، فأمر أن يتَّبع ما كان فرضًا ففرضًا، وما كان سنَّةً فسنَّةً، وهذا هو الاتِّباع، فيجوز أن يكون اختتان إبراهيم من السنن.
          وقد روي عن النبيِّ صلعم أنَّه قال: ((الاختتان سنَّةٌ للرجال(4)، ومكرمةٌ للنساء))، والختان علامة من(5) دخل في الإسلام، فهي من شعائر المسلمين.
          واختلفوا في وقت الختان، فقال الليث: الختان للغلام ما بين السبع سنين إلى العشر.
          وقال مالكٌ: عامَّة ما رأيت الختان ببلدنا إذا اثَّغَر، وقال مكحولٌ: إنَّ إبراهيم خليل الرحمن ختن ابنه إسحاق لسبعة أيَّامٍ، وختن ابنه إسماعيل لثلاث عشرة سنةً.
          وروي عن أبي جعفر أنَّ فاطمة كانت تختن ولدها يوم السابع، وكره ذلك الحسن البصريُّ ومالك بن أنسٍ خلافًا لليهود، وقال مالكٌ: الصواب في خلافهم، وقال الحسن: هو خطرٌ.
          قال المهلَّب: وليس اختتان إبراهيم ◙ بعد ثمانين سنةً ممَّا يوجب علينا مثل فعله، إذ عامَّة من يموت من الناس لا يبلغ الثمانين، وإنَّما اختتن إبراهيم(6) ◙ وقت أوحي إليه بذلك، وأمر بالاختتان فاختتن.
          والنظر يدلُّ أنَّه ما كان ينبغي الاختتان إلَّا قرب وقت الحاجة لاستعمال ذلك العضو بالجماع، كما اختتن ابن عبَّاسٍ عند مناهزة الاحتلام.
          وقال: كانوا لا يختنون الرجل حتَّى يدرك؛ لأنَّ الختان تنظيفٌ لما يجتمع من الوضر(7) تحت الغرلة، ولذلك _والله أعلم_ أمر بقطعها، واختتان الناس في الصغر لتسهيل الألم على الصغير؛ لضعف عضوه وقلَّة فهمه.
          ومن روى (القَدُوم) مخفَّفة الدال فإنَّما أراد الحديدة التي اختتن بها إبراهيم ◙، قال الشاعر:
يَا بِنْتَ عَجْلانَ، مَا أَصبرَني(8)                     عَلَى خُطوبٍ مثل نَحْتٍ بالقَدومِ(9)
          ومن شدَّد الدال فهو اسم الموضع الذي اختتن فيه إبراهيم، وقد يجوز أن يجتمع له الأمران والله أعلم.
          و(الفِطْرَةُ): فطرة الإسلام، وهي سنَّته(10) وهي الفعلة من قوله تعالى: {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}[فاطر:1]يعني: خالقها(11).
          (وَالِاسْتِحْدَادُ): حلق شعر العانة والأرفاغ بالحديد، وهو استفعالٌ من الحديد، وحكى أبو نصرٍ(12) عن الأصمعيِّ يقال: استحدَّ الرجل إذا نوَّر ما تحت إزاره، (وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ): قصها.


[1] في (ت) و (ص): ((فيه)).
[2] قوله: ((قال)) ليس في (ت).
[3] قوله: ((في)) ليس في (ت) و (ص).
[4] في (ت): ((للرجل)).
[5] في (ت) و (ص): ((لمن)).
[6] قوله: ((إبراهيم)) ليس في (ت) و (ص).
[7] في نسخنا: ((الوضو)) والمثبت من المطبوع.
[8] في (ص): ((أضر بي)).
[9] في (ت) و (ص): ((القدوم)).
[10] في (ز) و(ت): ((سنتها)) والمثبت من المطبوع، و قوله: ((وقد يجوز أن يجتمع له... وهي سنته)) ليس في (ص).
[11] في (ص): ((خالقهما)).
[12] في (ت) و (ص): ((أبو نصير)).