شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب السلام للمعرفة وغير المعرفة

          ░9▒ بَابُ السَّلاَمِ لِلْمَعْرِفَةِ وَغَيْرِ المَعْرِفَةِ
          فيه: عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو: (أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبيَّ صلعم: أيُّ الإسْلامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلامَ على مَنْ عَرَفْتَ ومَنْ لَمْ تَعْرِفْ). [خ¦6236]
          وفيه أَبُو أَيُّوبَ عَنِ النَّبيِّ صلعم قَالَ: (لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيَصُدُّ هَذَا وَيَصُدُّ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الذي يَبْدَأُ بِالسَّلامِ). [خ¦6237]
          هذا أيضا من باب الأدب والتواضع، وفي السلام لغير المعرفة استفتاحٌ للخلطة وبابٌ للأنس ليكون المؤمنون كلُّهم إخوةً، ولا يستوحش أحدٌ من أحدٍ، وترك السلام لغير المعرفة يشبه صدود المتصارمين المنهيَّ عنه، فينبغي للمؤمن أن يجتنب مثل ذلك.
          وقد روى ابن مسعودٍ عن النبيِّ صلعم أنَّه قال: ((من أشراط الساعة السلام للمعرفة))، وروى عبد الرزَّاق عن ابن عمر: ((أنَّه كان يدخل السوق فما يلقى صغيرًا ولا كبيرًا إلَّا سلَّم عليه، ولقد مرَّ بعبدٍ أعمى فجعل يسلِّم عليه والآخر لا يردُّ عليه، فقيل له: إنَّه أعمى))، وكان السلف من المحافظة على بذل السلام كما ذكر معمرٌ قال: كان الرجلان من أصحاب النبيِّ صلعم مجتمعين فتفرِّق بينهما شجرةٌ، ثمَّ يجتمعان فيسلِّم أحدهما على الآخر.
          وممَّا يدلُّ على تأكيد السلام على كلِّ أحدٍ أنَّ الله تعالى قد أمر الداخل بيتًا غير مسكونٍ بالسلام عند دخوله.
          وروي عن ابن عبَّاسٍ والنخعيِّ وعلقمة وعطاءٍ وعكرمة وقتادة في قول الله ╡: {فَإِذَا(1) دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ}[النور:61]قالوا: إذا دخلت بيتًا ليس فيه أحدٌ فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنَّ الملائكة تردُّ عليك، وهذا يدلُّ أنَّ الداخل بيتًا مسكونًا أولى بالسلام.
          وروى ابن وهبٍ عن حفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم أنَّ رسول الله صلعم قال: ((إذا دخلتم بيوتكم فسلِّموا على أهلها واذكروا اسم الله، فإنَّ أحدكم إذا سلَّم حين يدخل بيته وذكر اسم الله(2) على طعامه، يقول الشيطان لأصحابه: لا مبيت لكم هاهنا ولا عشاء، وإذا لم يسلِّم إذا دخل ولم يذكر اسم الله على طعامه، قال الشيطان لأصحابه: أدركتم المبيت والعشاء)).


[1] في (ز): ((إذا)) والمثبت من التنزيل والمطبوع.
[2] قوله: ((الله، فأن أحدكم إذا سلم حين يدخل بيته وذكر اسم الله)) ليس في (ز) وهو مثبت من المطبوع.