شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول النبي: «قوموا إلى سيدكم»

          ░26▒ بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلعم: قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ.
          فيه أَبُو سَعِيدٍ: (أَنَّ أَهْلَ قُرَيْظَةَ نَزَلُوا على حُكْمِ سَعْدٍ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صلعم إِلَيْهِ فَجَاءَ، فَقَالَ: قُومُوا إلى سَيِّدِكُمْ _أَوْ قَالَ: خَيْرِكُمْ_ فَقَعَدَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلعم، فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم: هَؤُلاءِ نَزَلُوا على حُكْمِكَ، قَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِم أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ، قَالَ: لَقَدْ حَكَمْتَ بِمَا حَكَمَ بِهِ الْمَلِكُ). [خ¦6262]
          قال المهلَّب: فيه أمر السلطان والحاكم بإكرام السيِّد من المسلمين، وجواز إكرام أهل الفضل في مجلس السلطان الأكبر، والقيام فيه لغيره من أصحابه، وإلزام الناس كافَّةً للقيام إلى سيِّدهم.
          قال الطبريُّ: فإن قال قائلٌ: قد عارض حديث أبي سعيدٍ ما روى مِسعَرٌ، عن أبي العَنْبَس، عن أبي العُدَيس، عن أبي مرزوقٍ، عن أبي غالبٍ، عن أبي أمامة قال: ((خرج علينا النبيُّ صلعم متوكِّئًا على عصاه، فقمنا له، فقال: لا تقوموا كما يقوم الأعاجم بعضهم لبعضٍ)).
          قال الطبريُّ: وحديث / أبي أمامة لا يجوز الاحتجاج به في الدين، وذلك أنَّ أبا العديس وأبا مرزوقٍ غير معروفين، مع اضطرابٍ من ناقليه في سنده، فمن قائلٍ فيه عن أبي العديس، عن أبي أمامة.
          فإن ظنَّ ظانٌّ أنَّ حديث عبد الله بن بريدة: أنَّ أباه دخل على معاوية فأخبره أنَّ النبيَّ صلعم قال: ((من أحبَّ أن يتمثَّل له الرجال قيامًا وجبت له النار))، حجَّةٌ لمن أنكر القيام للسادة فقد ظنَّ غير الصواب، وذلك أنَّ هذا الخبر إنَّما يُنبِئ عن نهي رسول الله صلعم للذي يقام له بالسرور بما يفعل له من ذلك، لا عن نهيه القائم عن القيام، وقد روى حمَّاد بن زيدٍ، عن ابن عونٍ قال: كان المهلَّب بن أبي صفرة يمرُّ بنا ونحن غلمانٌ في الكتَّاب فنقوم ويقوم الناس سِماطَين.
          وقال ابن قتيبة: معنى حديث معاوية وبريدة: من أراد أن تمثل(1) الرجال على رأسه كما يقام بين يدي الملوك والأمراء، وليس قيام الرجل لأخيه إذا سلَّم عليه من هذا في شيءٍ؛ لقوله: ((من سرَّه أن يقوم له الرجال صفونًا)) والصَّافن: هو الذي أطال القيام فاحتاج لطول قيامه أن يرفع إحدى رجليه ليستريح، وكذلك الصافن من الدوابِّ.
          روى(2) النسائيُّ: حدَّثنا زكريَّا بن يحيى، حدَّثني(3) إسحاق عن النضر بن شُمَيلٍ، حدَّثنا إسرائيل عن ميسرة بن حبيبٍ، عن المِنْهَال قال: حدَّثتني عائشة بنت طلحة عن عائشة أمِّ المؤمنين قالت: ((كان رسول الله صلعم إذا رأى فاطمة ابنته قد أقبلت رحَّب بها، ثمَّ قام إليها فقبَّلها، ثمَّ أخذ بيدها حتَّى يجلسها في مكانه)).


[1] في (ص): ((يقوم)).
[2] في (ص): ((وروى)).
[3] في (ص): ((حدثنا)).