شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب تسليم الرجال على النساء والنساء على الرجال

          ░16▒ بَابُ تَسْلِيمِ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ، وَالنِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ
          فيه سَهْلٌ قَالَ: كُنَّا نَفْرَحُ بيَوْم الْجُمُعَةِ، كَانَتْ لَنَا عَجُوزٌ تُرْسِلُ إلى بُضَاعَةَ _قَالَ القَعْنَبِيُّ: نَخْلٍ بِالْمَدِينَةِ_ فَتَأْخُذُ مِنْ أُصُولِ السِّلْقِ فَتَطْرَحُهُ في قِدْرٍ وَتُكَرْكِرُ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ، فَإِذَا صَلَّيْنَا الْجُمُعَةَ انْصَرَفْنَا نُسَلِّمُ عَلَيْهَا فَتُقَدِّمُهُ لْنَا فَنَفْرَحُ مِنْ أَجْلِهِ، وَمَا كُنَّا نَقِيلُ وَلا نَتَغَدَّى إِلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ. [خ¦6248]
          وفيه عَائِشَةُ، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (يَا عَائِشَةُ، هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلامَ، قَالَتْ: قُلْتُ: وَ◙ وَرَحْمَةُ اللهِ، تَرَى مَا لا نَرَى، تُرِيدُ رَسُولَ اللهِ صلعم).
          تَابَعَهُ مَعْمَرٌ، وَقَالَ يُونُسُ وَالنُّعْمَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ: وَبَرَكَاتُهُ. [خ¦6249]
          قال المهلَّب: السلام على النساء جائزٌ إلَّا على الشابَّات منهنَّ؛ فإنَّه يخشى أن يكون في مكالمتهنَّ بذلك خائنة أعينٍ أو نزغة شيطانٍ، وفي ردِّهنَّ من الفتنة ممَّا خيف من ذلك أن يكون ذريعةً يوقف عنه، إذ ليس ابتداؤه مفترضًا، وإنَّما المفترض منه الردُّ، وأمَّا المتجالَّات والعجائز فهو حسنٌ؛ إذ ليس فيه خوف ذريعةٍ، هذا قول قتادة، وإليه ذهب مالكٍ وطائفةٍ من العلماء.
          وقال الكوفيُّون: لا يسلِّم الرجال على النساء إذا لم يكن منهنَّ ذوات محارمٍ.
          وقالوا: لمَّا سقط عن النساء الأذان والإقامة والجهر بالقراءة في الصلاة سقط عنهنَّ ردُّ السلام، فلا يُسلَّم عليهنَّ.
          وقال ابن وهبٍ: بلغني عن ربيعة أنَّه قال: ليس على النساء التسليم على الرجال، ولا على الرجال التسليم على النساء، وحجة مالكٍ ومن وافقه حديث سهلٍ أنَّهم كانوا يسلِّمون على العجوز يوم الجمعة مع النبيِّ صلعم ولم تكن ذات محرمٍ منهم، وأيضًا حديث عائشة: أنَّ النبيَّ صلعم بلَّغها سلام جبريل ◙، وفي ذلك أعظم الأسوة والحجَّة.
          وقال صاحب «الأفعال»: الكَرْكَرة: تصريف الرياح السحاب إذا جمعَتْه بعد تفرُّقٍ، وتكَركَر السحاب إذا ترادَّ في الهواء.