شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب زنا الجوارح دون الفرج

          ░12▒ بَابُ زِنَا الجَوَارِحِ دُونَ الفَرْجِ
          فيه ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ أَرَ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِنْ قَوْلِ أبي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبيِّ صلعم: (إِنَّ اللهَ كَتَبَ على ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لا مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ النُّطقِ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ وَيُكَذِّبُهُ). [خ¦6243]
          قال المؤلِّف: وزنا العين فيما زاد على النظرة الأولى التي لا تملك ممَّا يستديم النظر إليه على سبيل اللذَّة والشهوة.
          وكذلك زنا المنطق فيما يلتذُّ به من محادثة من لا يحلُّ له ذلك منه.
          وزنا النفس تمنِّي ذلك وتشهِّيه، فذلك كلُّه يسمَّى زنا؛ لأنَّه من دواعي زنا الفرج، ودلَّ قوله: (إِنَّ اللهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ)، أنَّ ابن آدم لا يخلص من ذلك.
          قال المهلَّب: وكلُّ ما كتبه الله على ابن آدم فهو سابقٌ في علم الله تعالى لابدَّ أن يدركه المكتوب عليه، وإنَّ الإنسان لا يملك دفع ذلك عن نفسه، غير أنَّ الله تعالى تفضَّل على عباده وجعل ذلك لممًا وصغائر لا يطالب بها عباده إذا لم يكن للفرج تصديقٌ لها، فإذا صدَّقها الفرج كان ذلك من الكبائر، رفقًا من الله تعالى بعباده، ورحمةً لهم، لما جبلهم عليه من ضعف الخلقة، ولو واخذ عباده باللَّمم أو ما دونه من حديث النفس لكان ذلك عدلًا منه في عباده وحكمةً، لا يُسأَل عمَّا يفعل وله الحجَّة البالغة، لكن قبل منهم اليسير وعفا لهم عن الكثير تفضُّلًا منه وإحسانًا.
          وقوله: (لاَ مَحَالَةَ) يعني: لا حيلة له في التخلُّص من إدراك ما كتب عليه.