شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: كيف يرد على أهل الذمة السلام

          ░22▒ بَابٌ: كَيْفَ يُرَدُّ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ السَّلاَمُ
          فيه عَائِشَةُ: (دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ على النَّبِيِّ صلعم، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ، فَفَهِمْتُهَا، فَقُلْتُ(1): عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، وقَالَ النَّبِيُّ صلعم(2): مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، فإِنَّ(3) اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ في الأمْرِ كُلِّهِ، فقُلْتُ(4): أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ النَّبِيُّ صلعم: قَدْ قُلْتُ: عَلَيْكُمْ). [خ¦6256]
          وفيه ابْنُ عُمَر وَأنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ صلعم قَالَ(5): (إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمُ _قَالَ ابنُ عُمَرَ: الْيَهُودُ، وقَالَ أَنَسٌ: أَهْلُ الكِتَابِ_ فَقُولُوا: وَعَلَيْكَ)، لِابْنِ عُمَرَ، وَلِأَنَسٍ: (وَعَلَيكُمْ). [خ¦6257]
          (السَّامُ): فسَّره أبو عبيدٍ قال: هو الموت، قال الخطَّابيُّ: وتأوَّله قتادة على خلاف ذلك، روى عبد الوارث عن سعيد بن أبي عَرُوبة قال: كان قتادة يفسِّر (السَّامُ عَلَيكُمْ): تسأمون دينكم، وهو مصدرٌ من سَئِمتُه سَآمَةً وسَآمًا، مثل: رَضَعته رَضاعةً ورَضاعًا، / ولذذته لَذَاذةً ولَذَاذًا.
          ووجدت هذا الذي فسَّره قتادة روي عن النَّبيِّ صلعم ذكر بَقِيُّ بن مخلدٍ في التفسير عن سعيدٍ، عن قتادة، عن أنسٍ: أنَّ النَّبيِّ صلعم بينما(6) هو جالسٌ مع أصحابه، إذ أتى يهوديٌّ فسلَّم عليهم فردُّوا عليه، فقال النبيُّ صلعم(7): ((هل تدرون ما قال؟)) قالوا: سلَّم يا رسول الله، قال: ((قالَ سامٌ عليكم، أي: تسأمون دينكم)).
          قال أبو سليمان: ورواية من روى(8) (عَلَيكُم) بغير واوٍ أحسن من رواية من روى بالواو(9)؛ لأنَّ معناه بغير واوٍ: رددت ما قلتموه عليكم، وإذا أدخلت الواو صار المعنى عليَّ وعليكم؛ لأنَّ الواو حرف التشريك(10).
          واختلف العلماء في ردِّ السلام على أهل الذمَّة فقالت طائفةٌ: ردُّ السلام فريضةٌ على المؤمنين والكفَّار، قالوا: وهذا تأويل قوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ(11) فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}[النساء:86]قال ابن عبَّاسٍ وقتادة وغيره: هي عامَّةٌ في ردِّ السلام على المؤمنين والكفَّار، قال: وقوله تعالى: {أَوْ رُدُّوهَا} يقول: وعليكم، للكفَّار.
          قال ابن عبَّاسٍ: ومن سلَّم عليك من خلق الله فاردد عليه، ولو كان مجوسيًّا.
          وروى ابن وهبٍ عن مالكٍ: لا تردَّ على اليهوديِّ والنصرانيِّ، فإن رددت فقل: عليك، وروى ابن عبد الحكم عن مالكٍ أنَّه يجوز تكنية اليهوديِّ والنصرانيِّ وعيادته، وهذا أكثر من ردِّ السلام.
          وروى يحيى عن مالكٍ أنَّه سئل عمَّن سلَّم على يهوديٍّ أو نصرانيٍّ هل يستقيله ذلك؟ قال: لا.
          وقال ابن وهبٍ: يسلِّم على اليهوديِّ والنصرانيِّ، وتلا قول الله ╡(12): {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا}[البقرة:83].
          وقالت طائفةٌ: لا يردُّ السلام على أهل الذِّمَّة، وقوله تعالى: {فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}[النساء:86]في أهل الإسلام خاصَّةً عند(13) عطاءٍ. وردُّ النَّبيِّ صلعم على اليهود: (وَعَلَيكُم) حجَّةٌ لمن رأى الردَّ على أهل الذمَّة، فسقط قول عطاءٍ.
          قال المهلَّب: وفي الحديث من الفقه جواز انخداع الرجل الشريف لمُكَايدٍ أو عَاصٍ، ومعارضته من حيث لا يشعر إذا رجا رجوعه وتوبته.
          وفيه: الانتصار للسلطان، ووجوب ذلك على حاشيته وحشمه.


[1] في (ص): ((فقالت)).
[2] في (ص): ((وقال ◙)).
[3] في (ص): ((إن)).
[4] في (ص): ((قلت)).
[5] قوله: ((قال)) ليس في (ص).
[6] في (ص): ((بينا)).
[7] في (ص): ((فقال ◙)).
[8] قوله: ((من روى)) ليس في (ص).
[9] في (ص): ((من رواية الواو)).
[10] في (ص): ((التشكيك)).
[11] قوله: ((وإذا حييتم بتحية)) ليس في (ص).
[12] في (ص): ((وتلا قوله تعالى)).
[13] في (ص): ((عن)).