شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من لم يسلم على من اقترف ذنبًا

          ░21▒ بَابُ مَنْ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَى مَنِ اقْتَرَفَ ذَنْبًا، وَلَمْ يَرُدَّ سَلاَمَهُ، حَتَّى تَتَبَيَّنَ(1) تَوْبَتُهُ.
          وَإِلَى مَتَى تَتَبَيَّنُ تَوْبَةُ العَاصِي(2).
          وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو: لا تُسَلِّمُوا على شَرَبَةِ الْخَمْرِ.
          فيه: كَعْبٌ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ غزوة تَبُوكَ: (وَنَهَى النَّبِيُّ صلعم عَنْ كَلامِنَا، وَآتِي النَّبِيَّ صلعم فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَأَقُولُ في نَفْسِي: هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلامِ أَمْ لا؟ حَتَّى كَمَلَتْ خَمْسُونَ لَيْلَةً، وَآذَنَ النَّبِيُّ صلعم بِتَوْبَةِ اللهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى الْفَجْرَ). [خ¦6255]
          قال المهلَّب: ترك السلام على أهل المعاصي بمعنى التأديب لهم سنَّةٌ ماضيةٌ بحديث كعب بن مالكٍ وصاحبيه(3)، الثلاثة الذين خلِّفوا، وبذلك قال كثيرٌ من أهل العلم في أهل البدع: لا يُسلَّم عليهم أدبًا لهم.
          وقد روي عن عليِّ بن أبي طالبٍ أنه قال: لا تسلِّموا على مدمن الخمر ولا على الملتهي بأبويه، ذكره الطبريُّ.
          وكذلك كان في قطع الكلام عن كعب بن مالكٍ وصاحبيه حين تخلَّفوا عن رسول الله صلعم، وإظهار الموجدة عليهم أبلغ في الأدب لهم، فالإعراض(4) أدبٌ بالغٌ، ألا ترى قوله تعالى: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ}[النساء:34].
          وقوله: (وَإِلَى مَتَى تَتَبَيَّنُ(5) تَوْبَةُ العَاصِي) ليس في ذلك حدٌّ محدودٌ، ولكن معناه أنَّه لا تتبيَّن توبته من ساعته ولا يومه حتَّى يمرَّ عليه ما يدلُّ على ذلك.
          وروى(6) ابن وهبٍ بإسنادٍ أنَّ يزيد بن أبي حبيبٍ قال: لو مررت على قومٍ يلعبون بالشِّطْرَنْج ما سلَّمت عليهم.
          وكان سعيد بن جبيرٍ إذا مرَّ على أصحاب النَّرد لم يسلِّم عليهم.
          ورخَّص مالكٌ في السلام على من لم يُدمن اللعب بها، وإنَّما يلعب بها(7) المرَّة بعد المرَّة.


[1] في (ص): ((تبين)).
[2] في (ص): ((تبين توبة العاص)).
[3] في (ص): ((وأصحابه)).
[4] في (ص): ((والإعراض)).
[5] في (ص): ((تبين)).
[6] في (ص): ((روى)).
[7] في (ص): ((به)).