شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من رد فقال عليك السلام

          ░18▒ باب مَنْ رَدَّ فَقَالَ: عَلَيْكَ السَّلاَمُ
          وَقَالَتْ عَائِشَةُ ♦: وَ عليهِ السَّلامَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.
          وَقَالَ النَّبيُّ صلعم: (رَدَّ الْمَلائِكَةُ على آدَمَ: السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ).
          فيه أَبُو هُرَيْرَةَ: (أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ على النَّبيِّ صلعم، فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ صلعم: ارْجِعْ فَصَلِّ...) الحديث. [خ¦6251]
          اختلفت الآثار في هذا الباب، فروي: أنَّ النَّبيَّ صلعم قال في ردِّ السَّلام: ((عليك السلام))، وقال في ردِّ الملائكة على آدم: (السَّلَامُ عَلَيكَ)، وفي كتاب الله تعالى تقديم السلام على اسم المسلَّم عليه، وهو قوله تعالى: {سَلَامٌ على آلِ(1) يَاسِينَ}[الصافات:130]و {سَلَامٌ على مُوسَى وَهَارُونَ}[الصافات:120]وقال في قصَّة إبراهيم: {رَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ}[هود:73]وقد جاء حديثٌ رواه أبو عفَّان عن أبي تميمة الهُجَيميِّ عن أبي دُرَيدٍ _أو أبي جُرَيٍّ_: أنَّ رجلًا قال للنبيِّ صلعم: عليك السلام يا رسول الله، فقال له: ((لا تقل عليك السلام فهي تحيَّة الموتى، قل: السلام عليك))، وهذا الحديث لا يثبت، وقد صحَّ الوجهان عن النبيِّ صلعم، إلَّا أنَّه جرت عادة العرب بتقديم اسم المدعوِّ عليه في الشَّرِّ خاصَّةً كقولهم: عليه لعنة الله وغضب الله، قال الله تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إلى يَوْمِ الدِّينِ}[ص:78]وقال تعالى في المتلاعنين: {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}[النور:7]وفي لعان المرأة: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ}[النور:9].
          وروى يحيى بن أبي كثيرٍ عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلعم قال: ((السلام اسمٌ من أسماء الله، فأَفْشُوه بينكم))، فإذا صحَّ هذا الحديث فالاختيار في التسليم والأدب فيه تقديم اسم الله تعالى على اسم المخلوق.
          وإن فعل فاعلٌ غير ذلك وقدَّم اسم المسلَّم عليه على اسم الله تعالى فلم يأت محرَّمًا، ولا حرج عليه لثبوت ذلك عن النبيِّ صلعم.
          وأمَّا قوله صلعم: ((عليك السلام تحيَّة الموتى)) فقد ثبت عن النبيِّ صلعم أنَّه قال في سلامه على القبور: ((السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين))، وحيَّاهم بتحيَّة الأحياء، وقال ابن أبي زيدٍ: يقول السلام عليكم، فيقول الرادُّ: عليكم السلام، أو يقول: سلامٌ عليكم، كما قيل له، وهو معنى قوله تعالى: {أَوْ رُدُّوهَا}[النساء:86]وأكثر ما ينتهي السلام إلى البركة، وهو معنى قوله تعالى: {فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا}[النساء:86]ولا تقل في ردِّك: سلامٌ عليك.


[1] في المطبوع: ((إل)) والمثبت قراءة نافع وابن عامر.