شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب لا يتناجى اثنان دون الثالث

          ░45▒ بَابُ لاَ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ
          وَقَوْلُهُ ╡: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإثْمِ وَالْعُدْوَانِ} الآيتين[المجادلة:9]، وَقَوْلُهُ ╡: {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً}[المجادلة:12].
          فيه ابنُ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ(1): (إِذَا كَانُوا ثَلاثَةٌ فَلا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ). [خ¦6288]
          أي: لا يتسارَّ اثنان ويتركا صاحبهما خشية الإيحاش له، فيظنُّ أنَّهما يتكلَّمان فيه أو يتجنَّبان جهته فيحزنه ذلك، وقد جاء هذا المعنى بيِّنًا في رواية معمرٍ، عن أيُّوب، عن نافعٍ، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلعم: ((إذا كنتم ثلاثةً فلا يتناجى اثنان دون الثالث إلَّا بإذنه؛ فإنَّ ذلك يحزنه)) ويشهد لهذا قوله تعالى: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} الآية[المجادلة:10].
          وقد جاء التغليظ في مناجاة الاثنين دون صاحبهما في السفر، وأنَّ ذلك لا يحلُّ لهما من حديث ابن لَهِيعة، عن ابن هُبَيْرة، / عن أبي سالمٍ الجَيْشانيِّ، عن عبد الله بن عَمْرو العاص أنَّ النبيَّ صلعم(2) قال: ((لا يحلُّ لثلاثة نفرٍ يكونون بأرض فلاةٍ أن يتناجى اثنان منهما دون صاحبهما(3))).
          وتحريمه ذلك _والله أعلم_ في الفلاة من أجل أنَّ الخوف فيها أغلب على المرء، والوحشة إليه أسرع؛ ولذلك نهى النبيُّ صلعم(4) أن يسافر الواحد والاثنان.
          واختلف أهل التأويل فيمن نزلت: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا}[المجادلة:10]، فقال ابن زيدٍ: نزلت في المؤمنين، كان الرجل يأتي النبيَّ صلعم يسأله الحاجة ليُري الناس أنَّه قد ناجى رسول الله صلعم، وكان رسول الله صلعم لا يمنع أحدًا من ذلك، وكانت الأرض يومئذٍ حربًا، وكان الشيطان يأتي القوم فيقول لهم: إنَّما يتناجون في جموعٍ قد جمعت لكم، فأنزل الله الآية.
          وقال(5) قتادة: نزلت في المنافقين، كان بعضهم يناجي بعضًا، وكان ذلك يغيظ المؤمنين ويحزنهم، فنزلت هذه الآية.
          وقوله تعالى: {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً}[المجادلة:12]، قال قتادة: سأل الناس رسول الله صلعم حتَّى أحفوه في المسألة، فقطعهم الله ╡ بهذه الآية، وصبر(6) كثيرٌ من الناس وكفُّوا عن المسالة.
          وقال ابن زيدٍ: نزلت هذه الآية لئلَّا يناجي أهل الباطل رسول الله صلعم فيشقَّ ذلك على أهل الحقِّ، فلمَّا ثقل ذلك على المؤمنين خفَّفه الله سبحانه عنهم ونَسَخَهُ.


[1] في (ص): ((ابن عمر: قال رسول الله)).
[2] في (ص): ((الرسول)).
[3] في (ز): ((صاحبه)) والمثبت من (ص).
[4] في (ص): ((نهى ◙)).
[5] في (ص): ((قال)).
[6] في (ص): ((وصمت)).