شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من أجاب بلبيك وسعديك

          ░30▒ بَابُ مَنْ أَجَابَ بِلَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ
          فيه مُعَاذٌ قَالَ: (أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ صلعم(1)، فَقَالَ: يَا مُعَاذُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ قَالَ مِثْلَهُ ثَلاثًا، هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ على الْعِبَادِ؟ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً فَقَالَ: يَا مُعَاذُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ على اللهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ؟ ألَّا يُعَذِّبَهُمْ). [خ¦6267]
          وفيه أَبُو ذَرٍّ قَالَ: (كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صلعم في حَرَّةِ الْمَدِينَةِ عِشَاءً، فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: الأكْثَرُونَ هُمُ الأقَلُّونَ...) الحديث، إلى قوله: (أَتَانِي جبريل فَأَخْبَرَنِي: أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ). [خ¦6268]
          قَالَ الأعْمَشُ: وَحَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أبي الدَّرْدَاءِ نَحْوَهُ.
          قال ابن الأنباريِّ: معنى قوله: (لَبَّيكَ) أنا مقيمٌ على طاعتك، من قولهم: لبَّ فلانٌ بالمكان وألبَّ به إذا أقام به، ومعنى (سَعْدَيْكَ) من الإسعاد والمتابعة.
          وقال غيره: معنى (لَبَّيكَ) أي: إجابةً بعد إجابةٍ، ومعنى (سَعْدَيْكَ): إسعادًا لك بعد إسعادٍ.
          قال المهلَّب: والإجابة بنَعَم وكلِّ ما يفهم منه الإجابة كافٍ، ولكن إجابة السيِّد والشريف بالتلبية(2) والإرحاب والإسعاد أفضل.
          فإن اعترض بقوله صلعم: (هَلْ تَدْرِي(3) مَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللهِ) من زعم من المرجئة أنَّ الله ╡ يجب عليه ثواب المطيعين، فجواب أهل السنَّة لهم القائلين أنَّ الله تعالى لا يجب عليه شيءٌ لعباده أنَّ هذا اللفظ خرج على التزاوج والتقابل لما تقدَّم في أوَّل الكلام من ذكر حقِّ الله تعالى على عباده(4)، كما قال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا}[الشورى:40]فسمَّى الجزاء على السيِّئة باسم السيِّئة، / فكذلك هاهنا سمَّى ثوابه الطائعين من عباده باسم ما استحقَّه تعالى عليهم من طاعتهم له، وإنَّما معنى حقِّ العباد على الله إنجاز ما وعد به ╡ من أن يدخلهم الجنَّة، وسيأتي هذا المعنى بزيادةٍ فيه في كتاب الاعتصام في باب قوله تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ}(5)[هود:7].


[1] في (ص): ((رسول الله)).
[2] قوله: ((بالتلبية)) زيادة من (ص).
[3] قوله: ((هل تدري)) ليس في (ص).
[4] في (ص): ((العباد)).
[5] في (ص): ((وسيأتي في كتاب الاعتصام)). والباب المذكور إنما هو في كتاب التوحيد [ح¦7418إلى 7428]