شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: الاستئذان من أجل البصر

          ░11▒ بَابٌ: الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ البَصَرِ
          فيه سَهْلٌ: (اطَّلَعَ رَجُلٌ مِنْ جُحْرٍ في حُجَرِ النَّبيِّ صلعم وَمَعَ النَّبيِّ صلعم مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ، فَقَالَ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْتَظِرُ لَطَعَنْتُ بِها في عَيْنِكَ، إِنَّمَا جُعِلَ الاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ). [خ¦6241]
          وفيه أَنَسٌ: (اطَّلَعَ رَجُل مِنْ بَعْضِ حُجَرِ النَّبيِّ صلعم، فَقَامَ إِلَيْهِ النَّبيُّ صلعم بِمِشْقَصٍ، أَوْ مَشَاقِصَ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَخْتِلُ الرَّجُلَ لِيَطْعُنَهُ). [خ¦6242]
          قال المؤلِّف: هذا الحديث يبِّين معنى الاستئذان وأنَّه إنَّما جعل خوف النظر إلى عورة المؤمن وما لا يحلُّ منه، وفي «الموطَّأ» عن عطاء بن يسارٍ: أنَّ رجلًا قال: يا رسول الله، أستأذن على أمِّي؟ قال ((نعم))، قال: إنِّي معها في البيت، قال: ((استأذن عليها، أتحبُّ أن تراها عريانة؟)) قال: لا، قال: ((فاستأذن عليها)).
          وروي عن عليِّ بن أبي طالبٍ أنَّه قال: لا يدخل الغلام إذا احتلم على أمِّه وعلى أخته إلَّا بإذنٍ، وأصل هذا كلِّه في قوله ╡: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ}الآية[النور:58].
          قال أبو عبيدٍ: فأمَّا ذكور المماليك فعليهم الاستئذان في الأحوال كلِّها.
          وهذا الحديث يردُّ قول أهل الظاهر، ويكشف غلطهم في إنكارهم العلل والمعاني، وقولهم إنَّ الحكم للأسماء خاصَّةً؛ لأنَّه ◙ علَّل الاستئذان أنَّه إنَّما جعل من قبل البصر، فدلَّ ذلك على أنَّ النبيَّ صلعم أوجب أشياء وحظر أشياء من أجل معانٍ علَّق التحريم بها، ومن أبى هذا ردَّ نصَّ السنن.
          وقد ورد القرآن بمثل هذا كثيرًا، من ذلك قوله ╡: {وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ}[الأنبياء:31]وقال ╡: {مَّا أَفَاء اللهُ على رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} إلى قوله تعالى: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ}[الحشر:7]وقال: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ على اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}[النساء:165]وقال تعالى: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ}[الأنعام:146]في مواضع كثيرةٍ يكثر عددها، فلا يُلتَفت إلى من خالف ذلك.