شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من قام من مجلسه أو بيته ولم يستأذن أصحابه

          ░33▒ بَابُ مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ أَوْ بَيْتِهِ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْ أَصْحَابَهُ، أَوْ تَهَيَّأَ لِلْقِيَامِ لِيَقُومَ النَّاسُ
          فيه أَنَسٌ: (لَمَّا تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صلعم زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ دَعَا النَّاسَ طَعِمُوا، ثُمَّ جَلَسُوا يَتَحَدَّثُونَ، قَالَ: فَأَخَذَ كَأَنَّهُ يَتَهَيَّأُ لِلْقِيَامِ فَلَمْ يَقُومُوا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَامَ، فَلَمَّا قَامَ: قَامَ مَنْ قَامَ مَعَهُ مِنَ النَّاسِ، وَبَقِيَ ثَلاثَةٌ، وَإِنَّ النَّبِيَّ صلعم جَاءَ لِيَدْخُلَ فَرَأَى الْقَوْمَ جُلُوسًا، ثُمَّ إِنَّهُمْ قَامُوا فَانْطَلَقُوا، / قال: فَجِئْتُ فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صلعم أَنَّهُمْ قَدِ انْطَلَقُوا، فَجَاءَ حَتَّى دَخَلَ، فَذَهَبْتُ أَدْخُلُ فَأَرْخَى الْحِجَابَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} إلى قَوْلِهِ: {عَظِيمًا}[الأحزاب:53]). [خ¦6271]
          قال المؤلِّف: جاء في بعض طرق هذا الحديث أنَّ النبيَّ صلعم استحيا أن يقول للذين أطالوا الحديث في بيته: قوموا، ويخرجهم من بيته؛ لأنَّه كان صلعم على خلقٍ عظيمٍ، وكان أشدَّ الناس حياءً فيما لم يؤمر فيه ولم ينه، فإذا أمره الله لم يستحْيِ من إنفاذ أمر الله ╡ والصدع به، وكان جلوسهم عنده بعدما طعموا للحديث أذًى له ولأهله، قال الله تعالى: {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ}[الأحزاب:53]فقد حرَّم الله ╡ أذى رسوله صلعم فأنزل الله من أجل ذلك الآية.
          وفيه: أنَّه لا ينبغي لأحدٍ أن يدخل بيت غيره إلَّا بإذنه، وأنَّ الداخل المأذون له لا ينبغي له أن يُطَوِّل الجلوس فيه بعد تمام حاجته التي دخل لها؛ لئلَّا يؤذي الداخل الذي أدخله، ويمنع أهله من التصرُّف في مصالحهم.
          وفيه: أنَّ من أطال الجلوس في دار غيره حتَّى كره ذلك من فعله فإن لصاحب الدار أن يقوم بغير إذنه ويظهر التثاقل عليه في ذلك حتَّى يفطن له، وأنَّه إذا قام فإنَّ للداخل القيام معه، وأنَّه لا يجوز له الجلوس فيه بعده إلَّا أن يأذن له في ذلك صاحب المنزل.