عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب صوم يوم الفطر
  
              

          ░66▒ (ص) بَابُ صَوْمِ يَوْمِ الْفِطْرِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان صومِ يوم الفطر: ما حكمه؟ ولم يصرِّح بالحكم؛ اكتفاءً بما يذكر في الحديث على عادته، قيل: لعلَّه أشار إلى الخلاف فيمَن نذر صومَ يوم، فوافق يوم العيد؛ هل ينعقد نذره أم لا؟
          قُلْت: إذا قال: لله عليَّ صومُ يوم النحر؛ أفطر وقضى، فهذا النذر صحيحٌ عندنا معَ إجماع الأمَّة على أنَّ صومه وصوم الفطر منهيَّان، قال مالك: لو نذر صومَ يومٍ فوافق يومَ فطر أو نحر؛ يقضيه في رواية ابن القاسم وابن وهب عنه، وهو قول الأوزاعيِّ، والأصل عندنا أنَّ النهي لا ينفي مشروعيَّة الأصل، وقال صاحب «المحصول»: أكثر الفقهاء على أنَّ النهي لا يفيد الفساد، وقال الرازيُّ: لا يدلُّ النهي على الفساد أصلًا، وأطال / الكلام فيه، وعلى هذا الأصل مشى أصحابنا فيما ذهبوا إليه، ويؤيِّد هذا ما رواه البُخَاريُّ مِن حديث زياد بن جُبَيرٍ قال: جاء رجل ابنَ عمر فقالَ: نذر رجل صوم الاثنين، فوافق يوم عيد؟ فقال ابن عمر: أمر الله بوفاء النذر، ونهى رسول الله صلعم عن صوم هذا اليوم، فتوقَّف في الفتيا، وسيجيء في الباب الذي بعده، وقال ابن عبد الملك: لو كان صومه ممنوعًا منه لعينه؛ ما توقَّف ابنُ عمر، وقال الشَّافِعِيُّ وزُفَرُ وأحمدُ: لا يصحُّ صومُ يومَي العيدين، ولا النذر بصومهما، وهو رواية أبي يوسف وابن المبارك عن أبي حنيفة، وروى الحسن عن أبي حنيفة أنَّهُ إن نذر صوم يوم النحر لا يصحُّ، وإن نذر صوم غدٍ وهو يوم النحر؛ صحَّ، واحتجَّ بحديث أبي سعيد الخُدْريِّ الآتي هنا إن شاء الله تعالى.