عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب بركة السحور من غير إيجاب
  
              

          ░20▒ (ص) بابُ بَرَكَةِ السَّحُورِ مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ؛ لأنَّ النَّبِيَّ صلعم وَأَصْحَابَهُ وَاصَلُوا، وَلَمْ يُذْكَرِ السَّحُورُ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان بركة السَّحورِ، وأشار به إلى قوله صلعم :«تسحَّروا؛ فإنَّ في السَّحورِ بركةً»، أخرجه الشيخان والتِّرْمِذيُّ والنَّسائيُّ عن أنس ☺ .
          قوله: (مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ) جملةٌ في محلِّ النَّصبِ على الحال؛ لأنَّ الجملة إذا وقعت بعد النكرةِ تكونُ صفةً، وإذا وقعَت بعدَ المعرفةِ تكون حالًا، والمعنى: مِن غير أن يكونَ واجبًا، ثُمَّ علَّل لعدمِ الوجوب بقوله: (لأنَّ النَّبِيَّ صلعم وأَصْحَابَهُ وَاصَلُوا فِي صَومِهِمْ، وَلَمْ يُذْكَر) فيه (السَّحُورُ)، ولو كانَ السَّحورُ واجبًا لذُكِرَ فيه، وقوله: (لَمْ يُذْكَرِ) على صيغةِ المجهول.
          قوله: (السَّحُورُ) بالألفِ واللَّامِ في رواية الأكثرين، وفي رواية الكُشْميهَنيِّ والنَّسَفِيِّ: <ولم يُذكَر سَحُورٌ> بدون الألف واللَّام.
          فَإِنْ قُلْتَ: قوله: (تسحَّرُوا) أمرٌ، ومقتضاه الوجوب؟ قُلْت: أجيبَ بأنَّه أمرُ ندبٍ بالإجماع، وقال القاضي عياضٌ: أجمعَ الفقهاء على أنَّ السحورَ مندوبٌ إليه ليسَ بواجب، والأوجه أن يقال: إنَّ الأمرَ الذي مقتضاه الوجوبُ هو المجرَّدُ عنِ القرائن، وههنا قرينةٌ تدفعُ الوجوب، وهو أنَّ السحورَ إِنَّما هو أكلٌ للشهوة وحفظِ القوَّة، وهو منفعةٌ لنا، فلو قلنا بالوجوب ينقلبُ علينا، وهو مردود، وقال ابنُ بَطَّالٍ: في هذه الترجمة غفلةٌ مِنَ البُخَاريِّ؛ لأنَّه قد خرَّج بعد هذا حديثَ أبي سعيد:«أيُّكم أرادَ أن يواصلَ؛ فليواصل إلى السَّحَرِ»، فجعل غاية الوصالِ السَّحَرُ، وهو وقت السَّحور، قال: والمفسَّرُ يقضي على المُجمَلِ، انتهى، وأجيب بأنَّ البُخَاريَّ لم يترجم على عدم مشروعيَّةِ السحور، وإِنَّما ترجم على عدمِ إيجابه، وأخذ مِنَ الوصالِ عدمُ وجوب السحور.