عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب صوم الصبيان
  
              

          ░47▒ (ص) بَابُ صَوْمِ الصِّبْيَانِ.
          (ش) أي: هذا بَابٌ في بيان صوم الصبيان؛ هل يُشرَعُ أم لا؟ والجمهورُ على أنَّهُ لا يجبُ على مَن دونَ البلوغِ، واستحبَّ جماعةٌ مِنَ السلف _منهم ابن سِيرِين والزُّهْريُّ، وبه قال الشَّافِعِيُّ_ أنَّهم يُؤمَرون به للتَّمرين عليه إذا أطاقُوه، وحدُّ ذلك عندِ أصحاب الشَّافِعِيِّ بالسبعِ والعشرِ؛ كالصلاة، وعند إسحاق: حدُّه اثنتا عشرةَ سنةً، وعند أحمدَ في رواية: عشرُ سنين، وقال الأوزاعيُّ: إذا أطاقَ صومَ ثلاثة أيَّام تِباعًا لا يضعف فيهنَّ؛ حُمِلَ على الصوم، والمشهور عند المالكيَّة: أنَّهُ لا يُشرَع في حقِّ الصِّبيان، وقالَ ابنُ بَطَّالٍ: أجمعَ العلماءُ أنَّهُ لا يُلزَمُ العبادات والفرائض إلَّا عند البلوغ، إلَّا أنَّ أكثر العلماء استحسنوا تدريبَ الصبيان على العبادات؛ رجاءَ البركة، فإنَّهم يعتادونها، فتسهل عليهم إذا لزمتهم، وأنَّ مَن فعل ذلك بهم مأجور، وفي«الإشراف»: اختلفوا في الوقت الذي يُؤمَرُ فيه الصبيُّ بالصيام؛ فكان ابن سِيرِين والحسنُ والزُّهْريُّ وعطاءٌ وعروةُ وقتادةُ والشَّافِعِيُّ يقولون: يُؤمَرُ به إذا أطاقه، ونقل عن الأوزاعيِّ مثل ما ذكرنا الآن، واحتجَّ بحديث ابن أبي لبيبةَ عن أبيه، عن جدِّه، عن النَّبِيِّ صلعم أنَّهُ قال:«إذا صام الغلامُ ثلاثةَ أيَّام متتابعة؛ فقد وجب عليه صيامُ رمضان»، وقال ابن الماجشون: إذا أطاقوا الصيامَ أُلزِمُوه، فإذا أفطرُوا بغير عذرٍ ولا علَّةٍ؛ فعليهم القضاء، وقال أشهب: يُستحَبُّ لهم إذا أطاقوه، وقال عروة: إذا أطاقوا الصومَ وجبَ عليهم، قال عياضٌ: وهذا غلطٌ يردُّه قولُه صلعم :«رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ...» فذكرَ:«الصبيِّ حَتَّى يحتلم» وفي رواية:«حَتَّى يبلغ».
          (ص) وَقَالَ عُمَرُ ☺ لِنَشْوَانٍ فِي رَمَضَانَ: وَيْلَكَ، وَصِبْيَانُنَا صِيَامٌ، فَضَرَبَهُ.
          (ش) مطابقته للترجمة في قوله: (وَصِبْيَانُنَا صِيَامٌ) وإِنَّما كانوا يصوِّمونهم لأجلِ التمرين؛ ليتعوَّدوا بذلك، ويَكونونَ على نشاطٍ بذلك بعدَ البلوغ.
          قوله: (لِنَشْوَانٍ) أي: لرجل سكران، بفتح النون وسكون الشين المُعْجَمة، مِن نشِيَ الرجلُ منَ الشراب نَشوًا ونَشْوةً، وتنشَّى وانتشى؛ كلُّه: سَكِرَ، ورجلٌ نَشْوان ونَشْيان؛ على المُعاقَبَة، والأنثى نَشْوَى، وجمعُه: نشاوى؛ كـ(سكارى)، وزاد القزَّاز: والجمعُ النَّشواتُ، وقال الزَّمَخْشَريُّ: وهو نَشْءٌ وامرأة نشِئَة ونشوانة، و«فَعْلَانةُ» قليلٌ إلَّا في بني أسَد، هكذا ذكر الفَرَّاء، وفي«نوادر اللِّحيانيِّ»: يقال: نشِئتُ مِنَ الشراب أنشَأُ نَشْوةً ونِشْوةً، وقال ابن خالويه: [سكِرَ الرجلُ وانتَشى وثملَ وانتَزَف وأنزف، فهو سَكْران ونَشْوان، وقال ابن التين]: النَّشوانُ: السُّكْرُ الخفيفُ، قيل: كأنَّه مِن كلام المُوَلَّدين.
          قوله: (صِيَامٌ) جمع (صائم)، ويُروى: <صُوَّامٌ>.
          ثُمَّ هذا التعليقُ _وهو أثر عمر ☺ _ وصلَه سعيد بن منصور والبغويُّ في«الجَعْديَّات» مِن طريق عبد الله بن أبي الهُذَيل: أنَّ عُمَر بن الخَطَّاب أُتِيَ برجلٍ شربَ الخمرَ في رمضان، فلمَّا دنا منه جعل يقول: للمِنْخَرَينِ والفمِ، وفي رواية البغويِّ: فلمَّا رُفِعَ إليه عَثَر، فقال عمر: على وجهكَ ويحكَ وصبيانُنا صيامٌ؟! ثُمَّ أَمَر فضُرِبَ ثمانين سوطًا، ثُمَّ سيَّره إلى الشام، وفي رواية البغويِّ: فضربَه الحدَّ، وكان إذا غضب على إنسانٍ سيَّره إلى الشَّامِ، فسيَّره إلى الشام، وقال أبو إسحاق: مَن شرب الخمرَ / في رمضان [ضُرِبَ مئةً انتهى، هذا كانَ مستنده ما ذكرَه سفيانُ عن عطاءِ بن أبي مروان عن أبيه: أنَّ عليَّ بن أبي طالب ☺ أُتِيَ بالنجاشيِّ الشَّاعرِ وقد شرب الخمر في رمضان]، فضربه ثمانين، ثُمَّ ضربه مِنَ الغد عشرين، وقال: ضربناك العشرين لِجُرأتِكَ على الله تعالى وإفطارِك في رمضان.