عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب الوصال
  
              

          ░48▒ (ص) بابُ الْوِصَالِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان وصال الصائم صومه بالنهار وباللَّيل جميعًا، ولم يذكر حكمه اكتفاءً بما ذكره في الباب مِنَ الأحاديث.
          (ص) وَمَنْ قَالَ: لَيْسَ فِي اللَّيْلِ صِيَامٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}[البقرة:187]، وَنَهَى النَّبِيُّ صلعم عَنْهُ رَحْمَةً لَهُمْ وَإِبْقَاءً عَلَيْهِمْ، وَمَا يُكْرَهُ مِنَ التَّعَمُّقِ.
          (ش) كلُّ هذا مِنَ الترجمة، وهي تشتمل على ثلاثةِ فصولٍ:
          الأَوَّل: قوله: (وَمَنْ قَالَ) وهو في محلِّ الجرِّ عطفًا على لفظ (الوصال) تقديره: وبابٌ في بيان مَن قال: ليس في الليل صيامٌ؛ يعني: اللَّيل ليس محلًّا للصوم؛ لأنَّ الله تعالى جعل حدَّ الصوم إلى اللَّيل، فلا يدخل في حكم ما قبله، واستدلَّ عليه بقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ}[البقرة:187] وقد ورد فيه حديثٌ مرفوعٌ رواه أبو سعيد الخير: «إنَّ الله لم يكتب الصيام باللَّيل، فمَن صام فقد تعنَّى ولا أجر له»، أخرجه ابن السَّكَن وغيره في «الصحابة»، والدولابيُّ وغيره في «الكنى»؛ كلُّهم من طريق أبي فَرْوَةَ الرهاويُّ، عن مَعْقِل الكنديِّ، عن عُبَادَة بن نُسيٍّ عنه، وقال ابن منده: غريبٌ لا نعرفه إلَّا مِن هذا الوجه، وقال التِّرْمِذيُّ: سألت البُخَاريَّ عنه فقال: ما أرى عبادة سمع مِن أبي سعيد الخير، وقال شيخنا زين الدين: حديث أبي سعيد الخير لم أقف عليه، وقد اختُلِفَ في صحبته، فقال أبو داود: أبو سعيد الخير صحابيٌّ، روى [عن النَّبِيِّ صلعم ، وروى عنه قيس بن الحارث الكنديُّ، وفراس الشَّعبانيُّ، وقال شيخنا: وروى] عنه ممَّن لم يذكره يونسُ بن حَلْبَس، ومهاجر بن دينار، وابنٌ لأبي سعيد الخير غير مُسمًّى، وذكره الطبرانيُّ في الصحابة، وروى له خمسة أحاديث، وقيل: هو أبو سعيد الخير؛ بزيادة ياء آخر الحروف، وهكذا ذكر أبو أحمد الحاكم في «الكنى» فقال: أبو سعيد الخير له صحبة من النَّبِيِّ صلعم ، حديثه في أهل الشام، وقال الحافظ الذهبيُّ في «تجريد الصحابة»: أبو سعد الخير الأنماريُّ، وقيل: أبو سعيد الخير، اسمه عامر بن سعد، شاميٌّ، له في «الشفاعة» وفي «الوضوء»، روى عنه قيس بن الحارث وعبادة بن نُسَيٍّ، وقال أبو أحمد الحاكم بعدما روى له حديثًا قال: أبو سعيد الأنماريُّ، ويقال: أبو سعد الخير، له صحبة من النَّبِيِّ صلعم ، قال: ولست أحفظ له اسمًا ولا نسبًا إلى أقصى أباءٍ، فجعلهما اثنين، وجمع الطبرانيُّ بين الترجمتين فجعلهما ترجمةً واحدةً، وقال شيخنا: وقد قيل: إنَّ أبا سعيد الخير هو أبو سعيد الحُبْرَانيُّ الحِمْصيُّ الذي روى عن أبي هُرَيْرَة، وروى عنه حصين الحُبْرَانيُّ، وعلى هذا فهو تابعيٌّ، وهكذا ذكره العِجْلِيُّ في «الثقات» فقال: شاميٌّ تابعيٌّ ثقةٌ، وكذا ذكره ابن حِبَّان في الثقات التَّابِعينَ، واختُلِفَ في اسمه؛ فيقال: اسمه زياد، ويقال: عامر بن سعد، قال الحافظ المِزِّيُّ: وأراهما اثنين، والله أعلم.
          الفصل الثاني:
          قوله: (وَنَهَى النَّبِيُّ صلعم عَنْهُ) أي: عن الوصال، وهذا التعليق وصله البُخَاريُّ مِن حديث عائشة ♦ بلفظ: (نَهَى النَّبِيُّ صلعم رحمة لهم)، على ما يأتي عن قريبٍ.
          قوله: (وَإِبْقَاءً عَلَيْهِمْ) أي: على الأمَّة، وأراد حفظًا لهم في بقاء أبدانهم على قوَّتها، وروى أبو داود وغيره من طريق عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عن رجل مِنَ الصحابة قال: نهى النَّبِيُّ صلعم عن الحجامة والمواصلة، ولم يحرِّمهما إبقاءً على أصحابه، وإسناده صحيحٌ.
          الفصل الثالث:
          قوله: (وَمَا يُكْرَهُ مِنَ التَّعَمُّقِ) قال الكَرْمَانِيُّ: هو عطفٌ إمَّا على الضمير المجرور، وإمَّا على قوله: (رَحْمَةً) أي: لكراهته التعمُّق، وهو تكلُّفُ ما لم يُكلَّف، وعُمق / الوادي: قَعْرُه، وقيل: (وما يُكرَه مِنَ التعمُّق) مِن كلام البُخَاريِّ معطوفًا على قوله: (الْوِصَالُ) أي: باب ذِكْر الوصال وذِكْر ما يُكرَه مِنَ التعمُّق، وقد روى البُخَاريُّ في (كتاب التمنِّي) مِن طريق ثابت بن قيس عن أنس، في قصَّة الوصال، فقال صلعم : «لو مُدَّ بي الشهر لواصلت وصالًا يدع المتعمِّقون تعمُّقهم».