عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب قول الله:{وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض}
  
              

          ░16▒ (ص) بابُ قَوْلِ اللهِ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}[البقرة:187].
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيانِ قولِ اللهِ ╡ مخاطبًا للمسلمين بقوله: ({كُلُوا وَاشْرَبُوا}) بعد أن كانوا ممنوعين منهما بعدَ النَّوم، وبيَّن فيه غايةَ وقتِ الأكل بقوله: ({حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ}) والمرادُ بـ{الْخَيْطُ الأَبْيَضُ} أَوَّلُ ما يبدو من الفجرِ المُعترِض في الأفق؛ كالخيطِ الممدود، و{الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} ما يمتدُّ معه مِن غبش اللَّيل شُبِّها بخيطين أبيضَ وأسودَ، وقوله: ({مِنَ الْفَجْرِ}) بيانٌ للخيط الأبيض، واكتفى به عن بيانِ الخيطِ الأسود؛ لأنَّ بيانَ أحدِهما بيانٌ للثاني، قال الزَّمَخْشَريُّ: ويجوزُ أن يكون«مِن» للتبعيض؛ لأنَّه بعضُ الفجر، وقال: وقوله: {مِنَ الْفَجْرِ} أخرجَه مِن باب الاستعارة؛ كما أنَّ قولك:«رأيت أسدًا» مجازٌ، فإذا زدت:«مِن فلان» رجع تشبيهًا انتهى، ولمَّا نزل قوله: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ}[أوَّلًا ولم ينزل: {مِنَ الْفَجْرِ} كانَ رجالٌ إذا أرادوا الصومَ ربطَ أحدُهم في رجلَيه الخيطَ الأبيضَ مِنَ الخيطِ الأسودِ]، فلا يزالُ يأكلُ ويشربُ ويأتي أهلَه حَتَّى يظهرَ له الخيطان، ثُمَّ لمَّا نزل قولُه: {مِنَ الْفَجْرِ} علموا أنَّ المرادَ مِنَ الخيطَين: اللَّيلُ والنَّهارُ، فالأسودُ سوادُ اللَّيلِ، والأبيضُ بياضُ الفجر، كما يأتي الآن بيانُه في حديث الباب.
          قوله: ({ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ}) أي: مِن بعد انشقاقِ الفجرٍ الصادقِ كفُّوا عنِ الأكل والشرب والجماع إلى أن يأتي اللَّيلُ؛ وهو غروب الشمس.
          قالوا: فيه: دليلٌ على جوازِ النِّيَّةِ بالنهار في صومِ رمضان، وعلى جواز تأخيرِ الغُسْلِ إلى الفجر، وعلى نفي صومِ الوصال.
          (ص) فِيهِ الْبَرَاءُ عَنِ النَّبِيِّ صلعم .
          (ش) أي: في هذا البابِ حديثٌ رواه البراءُ بنُ عازبٍ الصَّحَابيُّ [ ☺ ، وقال الكَرْمَانِيُّ: يعني: فيما يتعلَّق بهذا البابِ حديثٌ رواه البراءُ] عن النَّبِيِّ صلعم ، لكن لمَّا لم يكن على شرط البُخَاريِّ لم يذكره فيه.
          قُلْت: ليس كذلك، بل أشارَ به إلى الحديث الذي رواه موصولًا عن البراءِ الذي سبق ذكرًه في الباب الذي قبلَه.